هذا الموقع يشرف عليه مجموعة من .طلبة العلم محبي الدكتور خالد حنفي.
إرسل فتوى
للحصول على فتوى، يرجى ملء هذا النموذج.
للحصول على فتوى، يرجى ملء هذا النموذج.
كيف نغرس الإباء والعزة في نفوس أولادنا؟
خطبة الجمعة بمسجد المهاجرين. بون. ألمانيا 22 أغسطس 2025م
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وبعد
ففي حديثنا السابق قلنا إن أحداث غزة الدامية كشفت عن تآكل أو انقراض جملة من القيم التي يرسخها الإسلام في المسلم في مقدمة تلك القيم قيمة الإباء والعزة، وأكثر بيئة تظهر فيها تراجع تلك القيمة، البيئة الأوروبية وكل بيئة تتشبع بالمادية عموما؛ لأن الإباء والعزة يتطلب تضحية وثمنا يُدفع، والبيئة المادية تتمركز حول الذات واللذة والمنفعة الآنية وضعف الاستعداد لفقدان المكاسب والامتيازات الدنيوية.
وكثير من الآباء اليوم يركزون على التربية الجسدية، والنفسية، والمالية، والعلمية، والدينية النظرية كأن يحفظ قدراً من القرآن ويتعلم أركان الإسلام ونحو ذلك، ويهمل تربية ولده على القيم وغرس العزة والكرامة في نفسه منذ الصغر، ومن أهم الأسباب المعينة على غرس قيمة العزة والإباء في نفوس أولادنا خاصة في السياق الأوروبي ما يلي:
1-التأمل في اسم الله العزيز:
من أعظم أسباب زيادة الإيمان وترسيخ اليقين في نفس المسلم، تأمل ومدارسة أسماء الله الحسنى، والأمة اليوم بحاجة إلى التأمل في اسم الله العزيز بعد أن سيطر عليها الهوان والانكسار والخذلان، وقد ذُكر اسم الله العزيز في القرآن الكريم معرفا ومنكرا اثنتين وتسعين مرة، وهو الاسم الذي كلم الله به موسى قال تعالى: ﴿يَامُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [النمل: 9]
ويذكر ابن القيم ثلاثة معانى للعزيز فيقول: “العزيز” الذي له العزة كلها: عزة القوة، وعزة الغلبة، وعزة الامتناع، فامتنع أن يناله أحد من المخلوقات، وقهر جميع الموجودات، ودانت له الخليقة وخضعت لعظمته” فمن أدرك هذه المعاني لا يذل نفسه لأحد إلا الله، ولا يكون عبداً إلا للعزيز، لا يكون عبداً للشهرة، أو المال، أو الجاه، أو عبد المأمور كما يقال، فعلِّم أولادك اسم العزيز وصفة العزة، وعمِّق لديهم الإيمان بالعزيز في كل مراحل حياتهم.
2- دراسة السيرة النبوية ومواقف الأولين والمعاصرين:
إن السيرة النبوية مليئة بالمواقف التي تعكس عزة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، ومن يدرس السيرة النبوية يرى فيها كيف ربى النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة على الإباء والعزة، وكيف كان عزيزاً حتى وقت التفاوض وكثرة الضغوط كما في صلح الحديبية، وتأمل حوار سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَلَسْنَا علَى الحَقِّ وهُمْ علَى البَاطِلِ؟ فَقالَ: بَلَى. فَقالَ: أَليسَ قَتْلَانَا في الجَنَّةِ وقَتْلَاهُمْ في النَّارِ؟ قالَ: بَلَى، قالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا، أَنَرْجِعُ ولَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بيْنَنَا وبيْنَهُمْ؟ فَقالَ: يا ابْنَ الخَطَّابِ، إنِّي رَسولُ اللَّهِ، ولَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا، فَانْطَلَقَ عُمَرُ إلى أَبِي بَكْرٍ فَقالَ له مِثْلَ ما قالَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: إنَّه رَسولُ اللَّهِ، ولَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا، فَنَزَلَتْ سُورَةُ الفَتْحِ فَقَرَأَهَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى عُمَرَ إلى آخِرِهَا، فَقالَ عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَوَ فَتْحٌ هُوَ؟ قالَ: نَعَمْ. رواه البخاري في صحيحه.
فمجادلة عمر للنبي صلى الله عليه وسلم مجادلة عزة وكرامة لا ذلة ومهانة، وجواب النبي عليه كذلك، والقرآن يؤكد أنه فتح عز وتمكين للمسلمين، ولذلك كان عمر يصلي ويصوم ويتصدق ويعتق من الرقاب ما يعتق رجاء أن يغفر الله له ما كان منه يوم الحديبية.
والمواقف المعاصرة التي تعكس الإباء والعزة أكثر من أن تحصى كثرة.
3- القدوة الأبية العزيزة:
من أهم الوسائل التربوية في غرس القيم التربية بالحال والقدوة، بأن يرى الأبناء قيمة العزة متجسدة في سلوك الأبوين ومواقفهم الخاصة والعامة، وأنهم أصحاب مبدأ وأنه حال تعارض المبدأ مع المصلحة قدموا المبدأ والقيمة على المصلحة، فالموقف والحال والقصص القرآني والنبوي والقصص المعاصر له أبلغ الأثر في نفوس أولادنا، أن تدرس مع أولادك عزة سيدنا موسى عليه السلام أمام بطش فرعون وطغيانه كيف واجهه بإيمان وإباء، تأمل قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 61-62]
4- تجنب ذل المعصية:
إن العزة مصدرها الإيمان بالله وطاعته والوقوف عند حدوده، والمعصية تحدث لصاحبها العكس فهي تورث الذل والانكسار وتؤخر النصر عن المؤمنين؛ تأمل قوله تعالى: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ [آل عمران: 112]
فسبب ذلهم وصغارهم بما عصوا وكانوا يعتدون، ولهذا كان من دعاء بعض السلف: اللهم أعزني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك.
وقال الحسن البصري : “إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين، إن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم ، أبى الله إلا أن يذل من عصاه “.
5- التربية بالأحداث:
لابد أن توظِّف كل حدث يمر بك في غرس قيمة العزة في نفس أولادك مهما صغُر، أن تتابع أحداث غزة على الشبكات وتلتقط منها ما تغرس به هذه القيمة في نفس ولدك:
فما الذي يدفع رجلاً فقد كل أفراد عائلته في لحظة فيستقبل ذلك بإيمان وصبر ورضا وعزة راضيا محتسبا؟!
وما الذي يحمل امرأة فقدت زوجها وأولادها ولم يبق لها سوى ولد مصاب بين الحياة والموت أن تحتسبهم شهداء في ثبات ويقين لا استسلام ولا ذلة معه؟!
وما الذي يحمل جنديا على الثبات في الميدان بعتاد هزيل ويسير حافي القدمين موقنا في نصر الله وتأييده؟!
إن إيمان هؤلاء جميعا بالعزيز المهيمن هو الذي دفعهم إلى الثبات والرضا والعزة والإباء، ويوم أن نوجد جيلاً جديدا من الشباب قد تشبع بالعزة والكرامة سيتغير حال الأمة إلى حال أحسن بل إلى أفضل حال، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
اللهم فرج الكرب وأوقف الحرب على أهلنا وإخواننا في غزة،
أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف،
وكن لهم وليا ونصيرا وسندا ومعينا، والحمد لله رب العالمين.