إرسل فتوى

كيف نحطم أقفال القلوب قبل رمضان؟

كيف نحطم أقفال القلوب قبل رمضان؟_111911532_269268e5-04c5-49bf-adcc-5996fbd75714

خطبة الجمعة بمسجد المهاجرين. بون. ألمانيا 7 فبراير 2025م

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وبعد، فقد انقضى أسبوع من شهر شعبان واقتربنا بانقضائه من شهر رمضان المحطة الإيمانية الأهم في حياة المسلم، وشهر شعبان هو الشهر الذي وقع فيه تحويل القبلة، وهو الشهر الذي ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى ولهذا أكثر النبي صلى الله عليه وسلم من الصيام فيه؛ فعن أسامة بن زيد قال: قلتُ يا رسولَ اللهِ لم أرَك تصومُ من شهرٍ من الشُّهورِ ما تصومُ شعبانَ؟ قال: “ذاك شهرٌ يغفَلُ النَّاسُ عنه بين رجبَ ورمضانَ، وهو شهرٌ تُرفعُ فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين وأُحِبُّ أن يُرفعَ عملي وأنا صائمٌ”. النسائي بسند صحيح. وهو شهر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيه نزل قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، وهو شهر القراء؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: كان المسلمون إذا دخل شهر شعبان انكبوا على المصاحف فقرأوها، وأخرجوا زكاة أموالهم تقوية للضعيف والمسكين على رمضان. ابن رجب بسند ضعيف. وفيه ليلة النصف من شعبان والتي توافق ليلة الجمعة القادمة أي: يوم الخميس القادم إن شاء الله، وقد ورد في فضلها حديث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ في لَيْلَةِ النِّصْفِ من شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خلقه إلا لِمُشْرِكٍ أو مُشَاحِن”. ابن ماجة وصححه الألباني.

أخطاء المسلمين قبل رمضان: يقع المسلمون في ثلاثة أخطاء قبل رمضان، الأول: الغفلة عن شهر شعبان واغتنامه في الاستعداد لرمضان، الثاني: عدم إعداد القلب والروح لاستقبال رمضان، الثالث: التعامل الرقمي مع العبادات دون النظر في أثرها على القلب، وأهم ما يتعين علينا العناية به في شهر شعبان وما يفهم من إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من الصيام فيه هو النظر في حال القلب ورقته أو قسوته والعمل على محو الران من عليه، وتحطيم الأقفال والغشاوة التي تحجبه عن هدايات القرآن وعن الانتفاع بالعبادة في رمضان، لأننا لن نربح رمضان ولن نكون بحق من الفائزين فيه إلا إذا تغيرت قلوبنا ولا سبيل لذلك إلا بالبدء في إصلاحها وتزكيتها في شعبان، وأهم المعينات على تحطيم أقفال القلوب قبل رمضان ما يلي:

  1. العودة إلى القرآن الكريم: عظَّم الله تعالى شهر رمضان بإنزال القرآن فيه فقال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ [البقرة: 185]، وتعظيم شهر رمضان يكون بالعودة إلى القرآن ولكن قبل رمضان، لقد كان أئمة السلف يعودون للقرآن ويكثرون من قراءته في شهر شعبان وكانوا يسمونه شهر القراء، وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن، ونحن أولى منهم بهذا العمل؛ لأننا في غفلة وانقطاع عن القرآن طوال العام لا نعود إليه إلا في رمضان، والعودة المفاجئة للقرآن في رمضان تقلل من الانتفاع به وتلمس أثره على القلب وزيادة الإيمان قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [التوبة: 124]، فلنصلح علاقتنا وعلاقة أولادنا بالقرآن في شهر القراء.
  2. التغافر والتخلي عن التباغض والتحاسد: من أهم الفضائل لشهر شعبان هو أنه في ليلة النصف يطلع الله على جميع خلقه فيغفر لمن اطلع عليه إلا لمشرك أو مشاحن، أي: بينه وبين أخيه شحناء وتباغض، وقد عطف التشاحن على الشرك لخطره؛ لأن الإسلام ينشد مجتمعا متماسكا متراحما متحابا نظيفا من التشاحن والتباغض والتدابر، وهناك علاقة بين تصفية القلوب والنفوس من الشحناء قبل رمضان وبين العبادات الرمضانية وهو الرفع والقبول والإقبال على العبادة بنفس محبة للمؤمنين لا تعرف الحقد ولا الغل، ووجود العكس وهو الغل على المؤمنين وتكدير الأخوة يحجب عن هدايات القرآن وأنواره.
  3. الذكر اللساني والقلبي: من أهم وسائل ترقيق القلوب وتجليتها وإزالة الصدأ المتراكم عليها بسبب الذنوب هو ذكر الله تعالى، قال ربنا تبارك اسمه: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [الأنفال: 2]، والذكر أكثر ما ورد في القرآن الكريم مقرونا بالكثرة كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 41]، والذكر يخرجك من حالة الغفلة المذمومة والتي حذر النبي صلى الله عليه وسلم منها في شهر شعبان، وقد توعد الله أصحاب القلوب القاسية التي لا تتأثر بذكر الله فكيف بمن لا يذكر أصلاً قال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الزمر: 22]، والذكر القلبي لن يكون إلا بعد التشبع بالذكر اللساني، ونحن بحاجة إلى إحياء عبادة الذكر لتعدد أسباب الغفلة وكثرة الملهيات والمشتتات للقلب. فرطبوا ألسنتكم بذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله في شهر شعبان.
  4. إنكار المنكر: إن رؤية المنكر وعدم إنكاره بفقهه وحسب قدرة وحال كل شخص وظرفه يقسي القلب ويؤذن بالعقوبة العامة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ لَا يُغَيِّرُونَهُ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ”. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه بسند صحيح. وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحرم الأمة بركة الوحي وأنواره؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”  إذا عظَّمتِ أُمتِي الدنيا، نُزِعتْ منها هيبةُ الإسلامِ، و إذا تَركتِ الأمرَ بالمعروفِ و النهىَ عن المنكرِ. حُرِمتْ بركةُ الوحيِ” الترمذي بسند ضعيف.

وليس هناك منكر أشد من دعوة يتبناها رئيس أكبر دولة في العالم تزعم أنها راعية الديمقراطية والقانون وحقوق الإنسان بالتطهير العرقي لأهل غزة وإخراجهم كرها من أوطانهم وديارهم، وكأننا نعود من جديد في العالم المتحضر إلى شريعة الغاب وتغييب القانون الدولي والأممي ولا يبالي بإنكار ورفض العالم لتلك الدعوة القبيحة، وهذا الخطاب الشعبوي المتصاعد يؤكد على الفشل السياسي والعجز عن إيجاد حلول واقعية للأزمات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، وعلى المسلمين والأحرار في العالم أن ينكروا هذا المنكر وأن يرفضوا تلك الدعوة بالوسائل السلمية قبل أن تلعننا الأجيال القادمة، ولا يرحمنا التاريخ إذا سكتنا عن نصرة المظلوم وجبنا عن أن نقول للظالم: لا، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: “إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منهم” الحاكم عن عبدالله بن عمرو بسند صحيح.

اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان، وأصلح فساد قلوبنا، واجعلنا من أهل القرآن، وكن لأهلنا في غزة وليا ونصيرا وسندا ومعينا، والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 

د. خالد حنفي
د. خالد حنفي

الدكتور خالد حنفي هو أحد العلماء البارزين المتخصصين في أصول الفقه، وقد حصل على درجة الدكتوراه في أصول الفقه عام 2005. شغل العديد من المناصب العلمية والدعوية والأكاديمية المرموقة في العالمين العربي والإسلامي، خاصة داخل القارة الأوروبية.

المقالات: 80