هذا الموقع يشرف عليه مجموعة من .طلبة العلم محبي الدكتور خالد حنفي.
إرسل فتوى
للحصول على فتوى، يرجى ملء هذا النموذج.
للحصول على فتوى، يرجى ملء هذا النموذج.
الهمّ الأكبر الذي يحمله كلّ مسلم قرّر أن يعيش بأولاده في الغرب، هو الخوف على دين أولاده، والبحث عن سبل الحماية والتحصين لهم، فمن أراد أن يستمرّ ذكره في هذه الحياة الدنيا بعد وجوده، عليه أن يُحسن تربية أولاده على الدين.
ونحن كثيراً ما ننظر إلى الصدقة الجارية المتمثلة في الولد الصالح، ولا ننظر إلى السيئة الجارية المتمثلة في الولد الفاسق – عياذاً بالله – وواقعنا اليوم مليء بالتحديات الفكرية، مليء بالشبهات والشهوات المؤثرة، والرياح الصرصر العاتية التي تضرب وتجلب بخيلها ورَجِلِها على شبابنا وعلى أولادنا، الأمر الذي يوجب علينا أن نفكّر بصورة دائمة، وأن نراجع أنفسنا بصورة دائمة، وأن نطرح على أنفسنا بصورة دائمة هذا السؤال: كيف السبيل لحفظ الدين والهوية على أولادنا، وعلى الأجيال الجديدة من أولاد المسلمين في الغرب؟
فإنّ المسلم مسؤول عن أولاده كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ (سورة التحريم، الآية 6)
وقال رسول الله ﷺ: “كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيّته”.
وكلّ مسلم قرّر أن يعيش في هذه البلاد يحمل خوفاً دائماً، لكن هذا الخوف يجب أن يدفعه إلى العمل، إلى السؤال: ما الذي يتعيّن عليّ أن أقوم به، لأكون قد استفرغت جهدي ووسعي، لأقول: “معذرة إلى ربّكم”؟
بعض الدعاة والشيوخ يحرّمون على المسلمين الإقامة في الغرب، وعندما نناقشهم في هذا الأمر، يقولون: من كثرة ما رأينا من ضياع دين الأولاد، والأجيال الجديدة من أولاد المسلمين، نحن نخاف على دين أولاد المسلمين.
قلتُ لهم: كان الأولى – إن أردتم أن تتحدّثوا حديثاً واقعياً عملياً – أن تعلموا أنّ الوجود الإسلامي في الغرب اليوم هو حقيقة واقعة، وتغيير المكان لم يعُد له عظيم الأثر كما كان له فيما مضى من الأزمنة.
ليس بمجرد أن تنتقل من الغرب إلى الشرق، أو من بلد ذي أكثرية غير مسلمة إلى بلد ذي أكثرية مسلمة، أنك ضمنت الحفاظ على دينك وعلى دين أولادك.
القضية تتعلق بما تفعل، وبما تقوم به مع أولادك إن كنت في الشرق، أو كنت في الغرب.
والفرص الموجودة أمامنا، إن أحسنا التعامل معها، يمكن أن توصلنا إلى جيل جديد متديّن بحق، منتمٍ إلى الإسلام وإلى أمّة الإسلام بحق.
القضية هي: ماذا نفعل مع أولادنا، ومع هذا الجيل الجديد من أولاد المسلمين؟
قال لي أحد الدعاة – وكان قد جاء وافداً أو زائراً إلى ألمانيا مرة – فقال: “إنّ من قرّر العيش بأولاده في الغرب، فقد قرّر أن يقطع كلمة التوحيد من نَسَله، إن نجح في أن يحافظ على نفسه وعلى أولاده، فلن ينجح مع أحفاده، وإن نجح مع أحفاده، فلن يُفلح مع أحفاد أحفاده!”
قلت له: من أين أتيتَ بهذا الكلام؟ ومن الذي يتحدث عن ضمان الهداية؟ وقانون الهداية في القرآن الكريم:﴿قُلْ إِنَّ الْهُدَىٰ هُدَى اللَّهِ﴾ (سورة البقرة، الآية 120) و﴿قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ﴾ (سورة الأنعام، الآية 71)
ومهما بذلتَ من جهدٍ مع أولادك لتحفظ الدين والهوية واللغة عليهم، إن وُفّقت، فبفضل الله ورحمته، وليس بذكائك وشطارتك.
وما قمتَ به معهم إنما هو المطلوب منك أن تفعله.
نحن يتعيّن علينا أن نسأل: عمّن نجا، كيف نجا؟ وعمّن هلك، كيف هلك؟
نسأل عمّن نجا، كيف نجا؟ لنستفيد منه، ونأخذ العِبرة من سلوكه وتصرفه مع أولاده.
ونسأل عن من هلك، لنحذَر من الأسباب والأمور والأخطاء التي أدّت إلى هلاكه، وإلى فشله مع أولاده.
أريد في هذه الدقائق أن أذكر جملة من الخطوات العملية التي بها نصل إلى حفظ الدين والهوية على أولادنا.
استشعار المسؤولية هو الذي سيدفعك إلى إيجاد حلٍّ لكلّ تحدٍّ يُواجهك مع أولادك في حفظ الدين عليهم.
هذه امرأة ألمانية، طبيبة مسلمة، اعتنقت الإسلام منذ سنوات؛ لم تكن تفكر في تعلّم اللغة العربية، أو الالتحاق بمعهد أو مؤسسة لتعلّمها، لكن حين تزوّجت، تركت عيادتها، وعطّلت أعمالها، وذهبت إلى كلية لتعليم اللغة العربية، وانقطعت عن عملها وحياتها ثلاث أو أربع سنوات.
سألتها: لماذا؟ أنتِ لستِ في حاجة إلى تعلّم اللغة العربية وإتقانها، يكفيكِ هذه الدروس الأسبوعية! لماذا تقطعين حياتك وعملك بهذا الشكل؟
قالت: لأني الآن تزوجت، وسأصير مسؤولة عن أولادي.
قبل إنجابهم، أريدهم أن يتصلوا بالإسلام، أن يتصلوا بأمة الإسلام، أن يتأثروا بالقرآن، أن يفهموا القرآن، أن يتفاعلوا مع القرآن.
وكل هذا لن يحصل بغير تعلّم اللغة العربية؛ وسيكون منقوصًا إن تمّ بغير إتقان وتعلّم اللغة العربية.
ثم جاءني شاب ألماني، اعتنق الإسلام منذ سنوات، وبعد أن رُزق بطفلٍ عمره أقل من سنة، قال لي: أريد أن أُعدّ وصية قانونية أنا وزوجتي، لتحمِل أنت مسؤولية تربية أولادي إن كتب الله لي أو لزوجتي موتًا، لأن عائلتي غير مسلمة، وعائلة زوجتي غير متدينة وغير ملتزمة بالدين، وأنا مسؤول عن أولادي، حتى لو قَبضني الله تعالى قبلهم.
ما الذي يدفع هذا الشاب وتلك الفتاة إلى هذا التفكير؟
سوى أنهم يستشعرون المسؤولية عن أولادهم أمام الله تبارك وتعالى.
على الأقل كل خمس سنوات مرة، تقوم العائلة بعمل عمرة، وزيارة إلى بيت الله الحرام، وإلى مدينة رسول الله ﷺ.
ويكون عندنا صندوق أو حصالة في البيت نجمع فيها الأموال لهذه الرحلة.
وهذا ممكن جداً، على الأقل كل خمس سنوات، وإن استطعنا كل سنة، فهذا أفضل.
لماذا؟ لأن زيارة البيت الحرام من أسباب الهداية والاستمساك بالدين.
قال الله تعالى:﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ﴾(سورة آل عمران، الآية 96)
وقال النبي ﷺ:“إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها”
أي: يستقر الإيمان ويعود إلى المدينة كما تعود الحية إلى جحرها.
كما أن الحية إذا كسلَت وأرادت أن تجدّد نشاطها، فإنها تعود إلى جحرها.
وإذا خافت على نفسها من الهلاك، تعود إلى جحرها لتشعر بالأمان.
كذلك من خاف على إيمانه، أو على إيمان أولاده، من رأى فُتورًا في علاقته بالله سبحانه وتعالى، فليعُد إلى مستقر الإيمان، وإلى جُحر الإيمان في مدينة رسول الله ﷺ.
أن نُشعر أولادنا أن الله سبحانه وتعالى يراهم في كل مكان، وفي كل زمان، حتى يُراقبوا المولى الجليل في سلوكهم وأحوالهم، ولا يراقبوا الأب أو الأم فقط.
وأفضل ما يُقوّي ملكة المراقبة عند أولادنا هو:
عبادات السر:
من الضروري أن يتعلّم الأب، وأن تتعلّم الأم، الجواب المقاصدي، والتعليلي، والفلسفي لكل حُكم يُطرَح عن الإسلام.
نحن نشأنا في بيئات ومجتمعات ذات أكثرية مسلمة، وما خطر في بالنا أن نطرح سؤالًا مبدوءًا بأداة الاستفهام: “لماذا؟” قبل أي حكم من الأحكام.
كان التسليم هو شعارنا.
أما اليوم، فالأسئلة التشكيكية تُطرح باستمرار على شبابنا، ولم تكن تُطرح في البيئة التي نشأنا فيها.
اليوم، هناك أسئلة مستمرة ودائمة مع الأطفال، منذ الصغر:
بل إن أكثر مواضع التعليل في القرآن الكريم جاءت في دائرة العبادات، وهي من أكثر الدوائر التي تشدد بعض علماء الأصول في رفض التعليل فيها!
ومع ذلك، جاءت الآيات بالتعليل:
إذن، فالسؤال: “لماذا؟” هو سؤال مشروع، وعلى الأب والأم أن يتعلّما الجواب على هذه الأسئلة.
فإذا تمكّنا من الإجابة على أسئلة أولادنا، كنّا أمام جيلٍ فريد في تدينه وتمسّكه بالإسلام.
فهناك فرق بين:
قال الله تعالى:﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾(سورة النساء، الآية 9) فإن كنت خائفًا على أولادك، فابدأ بصلاحك أنت وتقواك أنت، لأنك القدوة.
قرأنا اليوم في سورة الكهف:﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا﴾(سورة الكهف، الآية 82)
فكان إيمان الأب أو الأبوين، وكان صلاح واستقامة الأبوين سببًا في استبدال الغلام الفاسق بغلامٍ صالح، وفي إرسال الله عز وجل سيدنا موسى والخضر عليهما السلام لإقامة الجدار، حتى يُحافظ على الكنز لهؤلاء اليتامى.
كل هذا بماذا؟ بالصلاح والاستقامة.
وقد قمتُ بحصر عدد كبير من الأسر على الساحة الأوروبية الذين وفقهم الله سبحانه وتعالى مع أولادهم.
أذهب في جلسة طويلة، أسأل وأتحدث وأتحاور معهم:كيف نجحت مع أولادك؟ ما شاء الله، الأولاد في تدينهم، وفي استقامتهم، وفي إقبالهم على الدين، في لغتهم العربية؛ لغتهم العربية هي لغة أم مثلها مثل اللغة الألمانية أو اللغة الفرنسية.
درستُ هذه التجارب، فوجدت أن القاسم المشترك بين كل هؤلاء الذين نجحوا مع أولادهم أنهم استقاموا؛ استقاموا على أمر الله، وكانت لهم سَهمَة من الجهد والوقت في خدمة المسلمين: بأموالهم، وبجهدهم، ووقتهم، ووجودهم في بيوت الله تبارك وتعالى.
أيسر وسيلة لحفظ الدين والهوية على أولادنا هي الدعاء لهم، وهي أكثر وسيلة يغفل عنها أغلب المسلمين.
قال تعالى:﴿وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾(سورة الأنبياء، الآية 90)، وقال تعالى عن دعاء الصالحين:﴿وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي﴾(سورة الأحقاف، الآية 15)، وقال تعالى:﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾(سورة الفرقان، الآية 74)
الدعاء المستمر لأولادنا في صلواتنا، وفي سُجودنا.
ومهما رأيت من بُعدٍ وانحراف في ولدك، سيعود، إن كنت مُصرًّا، مستمرًّا، منيبًا، أوّابًا، عائدًا إلى الله تبارك وتعالى.
حدثني أحد الآباء في دولة أوروبية أن ابنته أبلغت الشرطة أن والدها يعتدي عليها بالضرب، حتى تترك البيت وتذهب إلى دار الرعاية المخصصة للشباب.
ما الحل؟ نرشده بالحلول من خلال التجارب، ونقول له:عليك أن تقصد محاميًا، عليك أن تفعل كذا وكذا، إجراءات عملية يقوم بها حتى يُقلّل الضرر، على الأقل على ابنته.
لكن كيف السبيل إلى استعادتها؟ أن تعود مرة أخرى إلى البيت، وإلى العائلة؟ أن تعود مرة أخرى إلى دينها، وإلى حجابها؟ كيف السبيل؟اختفى هذا الرجل فترةً من الزمن، ثم ظهر بعد ذلك ليتصل ويقول: لقد حدثت معجزة!!
وجدتُ ابنتي مع الشرطة تطرق الباب بعد أيام، وقد عادت، وقالت لهم: لقد ابتكرتُ هذه القصة، وكنت أمرُّ بأزمةٍ نفسية اضطُررتُ معها إلى هذا الأمر.
قلت له: أريد أن تحكي لي، ماذا فعلت؟ ماذا فعلت حتى يحصل هذا الذي حصل معك؟
قال: لقد عدتُ إلى الله، عرفتُ الله سبحانه وتعالى من جديد، لقد بكيتُ كثيرًا بين يدي الله تبارك وتعالى، ما بكيتها هكذا من قبل.
لم أكن أعلم ما معنى قول الله تعالى:﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾(سورة يوسف، الآية 84) إلا وأنا في هذا المشهد.
استعنتُ بالله تبارك وتعالى، كنت مع الله بحقٍّ وبصدق، فكان الله تبارك وتعالى معي.
وهذا شاب من شباب الجيل الجديد، أتحدث عنه دائمًا؛ أسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظه، وأن يبارك فيه، وأن يبارك في أولاد المسلمين من الجيل الثاني، يحفظ القرآن الكريم، ويخطب بالعربية والألمانية.
حبّب الله سبحانه وتعالى إليه الصف الأول، وأحيانًا ألقّبه بـ”الصفي”، يعني: لا يصلي إلا في الصف الأول، الصلوات الخمس.
والله سبحانه وتعالى يهيّئ له، ويُسهّل له عملاً يمكنه من الانتظام في الصف الأول.
وجدت أولاده – زُرْت ثلاثة منهم – على نفس شاكلته من حبّ الدين، وحبّ المسجد، والبقاء في الصف الأول.
قلت له: ماذا فعلت؟ ما هي التجربة؟ أعطني خلاصة تجربتك مع أولادك.
قال:والله، لا شيء يا فضيلة الشيخ، سوى أني لا أذكر أني سجدتُ لله مرةً، ولم أدعُ لأولادي.
لم أسجد لله مرةً دون دعاء لأولادي.
وقد رأيتُ هذا موجودًا عند أئمة السلف بكثرة، فهذا الفضيل بن عياض كان عنده ولد اسمه علي وكان بعيدًا عن الالتزام والهداية فكان الفضيل يقوم الليل، ويقول:“اللهم إنك تعلم أني قد عجزت عن تأديب ولدي، فأدّبه لي.”فقلب الله قلبه، وهو سبحانه مقلب القلوب، قلب قلبه واستقام الولد.
حتى إن بعض الذين أرّخوا لحياة أبيه يقولون:“لقد كان أفضل وأزكى من أبيه، وكان لا يتحمل أن يستمع إلى سورة القارعة، أو أن يقرأ سورة القارعة، من شدة تأثره بها.”
وأحد أئمة السلف، زُرِق بولد، فذبح له عقيقة، ودعا أهل الصلاح حتى يدعوا له.
فلما فرغوا من الأكل، قال لهم:“أفرغتم؟” قالوا: نعم.فبدأ يدعو هو بما يريد أن يرى ولده عليه.
يقول:“بعد أن كبر وبلغ العشرين من عمره، جلستُ أنظر إليه، وأتفكّر في دعائي له يوم عقيقته، فأرى كل الأدعية التي دعوتُ له بها، قد أجابها الله سبحانه وتعالى، وقد تحققت لي.”
فعلينا أن نأخذ بأيدي أولادنا إلى بيوت الله.
علينا أن نبذل كل الجهود الممكنة ليكون الأولاد، والأجيال الجديدة، في صلاة الجمعة، وفي يوم الجمعة.