هذا الموقع يشرف عليه مجموعة من .طلبة العلم محبي الدكتور خالد حنفي.
إرسل فتوى
للحصول على فتوى، يرجى ملء هذا النموذج.
للحصول على فتوى، يرجى ملء هذا النموذج.
خطبة الجمعة في مسجد المهاجرين. بون. ألمانيا 3 يناير 2025م
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وبعد
فهذه الجمعة هي الأولى في شهر رجب الفرد أحد الأشهر الحرم والذي نقترب بحلوله من شهر رمضان، وهي أيضا الجمعة الأولى في عام ميلادي جديد انقضى من أعمارنا قبل يومين وأقبل عام ميلادي جديد، نقصت به آجالنا، وقلت به أعمارنا، ونقص به رصيدنا ورأس مالنا وهو الزمن.
وقد عشنا عاما ميلاديا مليئا بالحزن والألم والعجز والحسرة لما يجري لأهلنا وإخواننا في غزة من تقتيل وإبادة جماعية ومعاناة لأهوال الحرب والبرد والجوع، كما عشنا حدثا فريدا وسعيدا لأهلنا وإخواننا في سوريا حيث تحررت أوطانهم من قبضة الظلم والطغيان بعد تضحيات هائلة امتدت لعقود طويلة.
والزمن له قيمة كبرى في حياة المسلم وفي الحضارة الإسلامية؛ فقد أقسم الله بالزمن في مفتتح سورة كثيرة من سور القرآن لعظم قدره وقيمته عند الله، فأقسم بالليل والشمس والضحى والعصر، وشعائر الإسلام وفرائضه الكبرى تذكرنا وتغرس فينا استشعار قيمة الزمن، فالصلاة تؤدى عند دخول الوقت ولكل فرض وقته لا يؤدى قبله أو بعده، والصيام لا يصح إلا بدخول وقته وهو شهر رمضان والإمساك له وقت والفطر له وقت، والحج له وقت معلوم في العام وأنساك الحج وأعماله لها أوقات معلومة لا يصح أن تؤدى قبل أو بعد، والزكاة لها وقت وهو رأس الحول الهجري لا تؤدى قبله إلا استثناء لضرورة ولا تؤدى بعده.
والقرآن الكريم يحدثنا في قرابة العشرين موضعا عن أمنية الناس ساعة الاحتضار ﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المنافقون: 10-11] أو في الآخرة أنها أن يمنحوا فرصة الزمن ليعملوا فيه صالحاً قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ﴾ [فاطر: 36-37] ،
وقد اعتبر الأستاذ مالك بن نبي الوقت شرطا من شروط النهضة بالإضافة إلى التراب والإنسان، وينتهي إلى أن إدراك قيمة الزمن يعني إدراك قيمة الحياة وحصول التأثير والإنتاج، ويضرب مثالاً على ذلك بألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية والتي تركت ألمانيا عام 1945م قاعا صفصفا لا تملك أيا من مقومات النهضة وبدأت من الصفر واستطاعت خلال عشر سنوات تقريبا أن تذهل العالم بمعجزة في الصناعة والتقدم، وأهم عامل أدى لتلك النهضة هو عامل الزمن فقد فرضت الحكومة عام 1948م على الشعب الألماني كله نساء وأطفالا ورجالا التطوع بالعمل ساعتين يؤديها كل فرد يوميا مجانا للصالح العام، وسمي هذا التجنيد العام: Roboter Arbeit
بينما في الحضارة المعاصرة رغم التطور العلمي المذهل الموفر للوقت والميسر للإنجاز في وقت أقل بكثير مما كان في الأزمنة السابقة إلا أن تلك الحضارة تفننت في قتل الوقت وإضاعته بل والاحتفال بمرور الزمن وخسارته، فيحتفلون بكل عام ينقضي من حياة الإنسان، وبكل عام ينقص من حياة الأمم ويطلقون لذلك الألعاب النارية التي تعبر عن الفرحة بنهاية عام وحلول عام، وتكثر المقاهي التي يضيع عليها الكثير من الأوقات، ثم ظهرت الشبكات والهواتف التي تعتبر سارق الزمن الأكبر في عصرنا، وما درى هؤلاء أن كل يوم وعام يمر يقترب الإنسان به من القبر وتتراجع فرصته في التسابق للعمل الصالح في الدنيا ويضعف بدنه عن أن يعمل صالحا كما قال الحسن البصري: “ابن آدم إنما أنت أيام مجتمعة فكلما ذهب يوم ذهب بعضك”، وهذه جملة من معالم العناية بالزمن في حياة المسلم المعاصر:
اللهم فرج الكرب والهم عن أهلنا وإخواننا في غزة أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف وقهم البرد والمرض، وتمم الفتح والنصر لأهلنا وإخواننا في سوريا، وبارك لنا في أعمارنا وأحسن ختامنا وعاقبتنا في الأمور كلها، والحمد لله رب العالمين.