هذا الموقع يشرف عليه مجموعة من .طلبة العلم محبي الدكتور خالد حنفي.
إرسل فتوى
للحصول على فتوى، يرجى ملء هذا النموذج.
للحصول على فتوى، يرجى ملء هذا النموذج.
خطبة الجمعة بمسجد المهاجرين . بون. ألمانيا 1 نوفمبر 2024م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وبعد
فما زالت حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي مستمرة على أهل غزة الأبية، وما زالت نصرة الأمة لها متراخية باهتة إن لم تكن غائبة ومغيبة، ولا زلنا نشاهد كل يوم مشهداً جديداً من مشاهد الإمعان في التقتيل والتشريد والحصار والتجويع للأبرياء والمدنيين حتى أُغلقت الأونروا في غزة التي تمثل شريان الحياة لهم، وحتى صارت أمنية أحدهم أن يدفن في قبر دفنا طبيعيا بكامل أعضائه ولا ترمى جثته على الأرصفة وفي الشوارع أو تترك تحت الأنقاض!!
وأمام هذا الواقع المرير البئيس لابد من الخوف الشديد من تحقق سنة الاستبدال في الأمة المسلمة اليوم بل في هذا العالم الذي رسب بامتياز في اختبار إنسانيته، والتاريخ والأجيال لن ترحمه أبدا، وقد قال جوزيب بوريل نائب رئيس المفوضية الأوروبية كلمة عبر فيها عن الحقيقة التي يتعامى عنها الساسة: “حريق كبير ينتظر العالم بعدما فقدنا إنسانيتنا بالشرق الأوسط”
وسنة الاستبدال من سنن وقوانين القرآن الكريم المطردة، ومعناها نقل راية التكليف وحمل الأمانة والخيرية من أمة إلى أمة ومن قوم إلى قوم ومن فرد إلى فرد، وقد تكرر التهديد في القرآن بإفناء الأمم الفاشلة والمجيء بأشرف منها، فالدين باق والحق منتصر والخير غالب للشر لا محالة، لا يرتبط بشخص فقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقي الإسلام، ولا بمكان فقد تخلت مكة فاستبدلت بالمدينة، ولا بجنس فقد تخلى العرب فاستبدلوا بصلاح الدين، والأمة اليوم معرضة لتطبيق سنة الاستبدال القرآنية عليها إن لم تفق من غفلتها وتتجنب التولي والإعراض عن نصرة المستضعفين والمظلومين، ومعالم سنة الاستبدال في القرآن كما يلي:
1- الاستبدال بسبب القعود عن النفرة في سبيل الله:
قال الله تعالى في سورة التوبة ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (٣٨) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [التوبة: 38-39] فالقعود عن النفرة في سبيل الله ينتج العذاب الأليم بالذل والمهانة في الدنيا ودفع الأثمان الباهظة والكلفة الكبيرة، وفي الآخرة أيضا، وصور النفرة المطلوبة من مسلمي أوروبا كثيرة؛ كالنفرة الإغاثية بتقديم المساعدات الإنسانية المستدامة عبر القنوات القانونية المسموح بها، والنفرة الثقافية بتعريف العالم بحقيقة ما يجري من إبادة جماعية وتطهير عرقي لأهل غزة، والنفرة الإعلامية بتوظيف وسائل التواصل في خلق رأى عام ضاغط على صانعي القرار لإيقاف الحرب، والنفرة التربوية بتعريف الجيل الجديد من أولاد المسلمين في أوروبا بتاريخ فلسطين واحتلال الأرض والمقدسات وطبيعة الصراع ومآله ودراسة سورة الإسراء ومواضع وصف أرض فلسطين بالبركة في القرآن الكريم، والنفرة الروحية بإصلاح العلاقة مع الله وتجديد التوبة والإلحاح على الله بالدعاء أن يعجل بتفريج الكرب عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
2-الاستبدال بسبب عدم الإنفاق في سبيل الله:
قال تعالى في سورة محمد: ﴿هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد: 38]، ولعل الدور الأكبر لمسلمي أوروبا هو الإنفاق والنصرة كما أكدنا شريطة أن تتم عبر القنوات القانونية وأن تكون مستدامة بقدر استدامة الحرب والحاجة وأن تقصر على إغاثة المدنيين والأبرياء وتقديم الغذاء والدواء لهم دون أي وجهة أخرى غير ذلك، والنفقة يتكون ببذل الجهد والوقت والعمل لنصرة المستضعفين.
3- السمات المطلوبة كي لا نستبدل:
قال تعالى في سمات المستبدلين: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 54] فسماتهم هي: الذلة على المؤمنين، أي خفض الجناح لهم والرأفة والرحمة بهم والتعاون معهم والألفة والتقوى بهم وعدم حصول الفرقة بينهم وقد وصف الله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بذات الوصف فقال: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29]، والسمة الثانية: أعزة على الكافرين: أي: الشدة والغلظة عليهم، والمراد هنا: الكفار المحاربين، أما الكفار المسلمين أو المعاهدين فلا ينطبق عليهم الوصف وإنما قانونهم هو قوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]، والسمة الثالثة: يجاهدون في سبيل الله، والرابعة لا يبالون بمن يلومهم على فعلهم كما هو واقع الآن من المرجفين والمنافين والمخذلين، فمن تحلى بهذه السمات كان في أمان من انطباق قانون الاستبدال عليه والأمان من العذاب الأليم بسببه.
4- دور الفرد في منع الاستبدال:
لا يصح أن يلقي كل فرد في الأمة باللائمة عليها وهو جزء منها، وإنما عليه أن يبحث عن سبيل النجاة لنفسه وأمته وعن الدور الذي يتعين عليه القيام به لينجو ولا يستبدل، وأن ينال بحق شرف الانتساب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم المخرجة للناس قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110] فهل أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر الذي تعددت صوره وآلامه؟
اللهم كن لأهلنا في غزة وليا ونصيرا فقد قل المعين والنصير، وأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، واستعملنا ولا تستبدلنا، والحمد لله رب العالمين.