هذا الموقع يشرف عليه مجموعة من .طلبة العلم محبي الدكتور خالد حنفي.
إرسل فتوى
للحصول على فتوى، يرجى ملء هذا النموذج.
للحصول على فتوى، يرجى ملء هذا النموذج.
رسائل للمسلمين في أوروبا في مطلع عام دراسي جديد
خطبة الجمعة بمسجد المهاجرين. بون. ألمانيا في: 23 أغسطس 2024م
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وبعد
فهذا الأسبوع هو الأول في عام دراسي جديد، وفي مطلع العام الدراسي الجديد نذكر بقيمة العلم وأهميته في الإسلام، فالعلم قيمة من القيم العليا في الإسلام، به فُضِّل آدم أبو البشر على الملائكة الذين تطلعوا إلى منصب الخلافة؛ لأنهم أعبد لله من الذين توقعوا منهم أن يفسدوا في الأرض ويسفكوا الدماء، فقال تعالى رداً عليهم: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٠) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ [البقرة: 30-31]
فالإسلام هو دين العلم والقرآن كتاب العلم، فأول آية منه هي دعوة إلى باب من أبواب العلم وهو القراءة قال تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: 1] ، والقرآن يجعل أساس التفاضل بين الناس العلم قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 9]
كما جعل أهل العلم هم الشهداء لله تعالى بالتوحيد مع الملائكة قال تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18]
وقد جعل الإسلام طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة فقد أخرج ابن ماجة عن أنس بن مالك رضي الله عنه بسند صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” طلبُ العلمِ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ ، وإِنَّ طالبَ العلمِ يستغفِرُ له كلُّ شيءٍ ، حتى الحيتانِ في البحرِ”، وهذه جملة من الرسائل للمسلمين في أوروبا طلاباً وأساتذة وآباء وأمهات:
1-تصحيح القصد والنية:
يجب على طلاب العلم وأوليائهم تذكيرهم في أول العام الدراسي بتصحيح نيتهم وقصدهم والدراسة وطلب العلم؛ ليحصلوا الأجر والثواب على كل حركة وخطوة ووقت وجهد يبذلونه، ولا تقصر نواياهم على المقاصد الدنيوية فحسب، فإن طلب العلم عبادة بل فضَّله العلماء بالنظر إلى النصوص عن العبادة؛ أخرج الإمام الترمذي في سننه بسند صحيح عن أبي أمامة الباهلي “أنه ذُكِرَ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم رجُلانِ؛ أحدهما عابدٌ، والآخَرُ عالِمٌ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: فضلُ العالمِ على العابدِ كفضلي على أدناكم ثمَّ قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ إنَّ اللَّهَ وملائِكتَهُ وأَهلَ السَّماواتِ والأرضِ حتَّى النَّملةَ في جُحرِها وحتَّى الحوتَ ليصلُّونَ على معلِّمِ النَّاسِ الخيرَ” وأخرج أبو داود والترمذي عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا ، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طريقًا إلى الجنَّةِ ، وإنَّ الملائِكَةَ لتَضعُ أجنحتَها لطالِبِ العلمِ رضًا بما يصنعُ وإنَّ العالم ليستغفِرُ لَهُ مَن في السَّمواتِ ومن في الأرضِ، حتَّى الحيتانِ في الماءِ، وفضلَ العالمِ على العابدِ كفَضلِ القمرِ على سائرِ الكواكبِ، وإنَّ العُلَماءَ ورثةُ الأنبياءِ إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا إنَّما ورَّثوا العلمَ فمَن أخذَهُ أخذَ بحظٍّ وافرٍ” وأخرج البيهقي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ:” يُبْعَثُ العالم والعابدُ، فيقالُ للعابد ادخل الجنة، ويقال للعالم اثبت حتى تشفع للناس”
2-تجسيد الرؤية الحضارية للإسلام في طلب العلم:
فرؤية الإسلام لا تقوم على القطيعة بين العلم والدين أو العقل والنقل، وقد جمع كثير من علماء الشرع بين علوم الشريعة والعلوم الإنسانية الأخرى، كابن رشد الذي جمع بين الفقه والفلسفة، والخوارزمي الذي جمع بين الشرع والجبر أو الرياضيات، وابن النفيس الذي جمع بين الطب والشرع، والحسن بن الهيثم العالم الموسوعي الذي برز في علوم البصريات والفيزياء والهندسة وعلم الأعداد والحساب والفلك والفلسفة والمنطق والطب، كما يجب على الطلبة المسلمين أن يجسدوا آداب طلب العلم فرقاً بينهم وبين غيرهم كالتواضع في الطلب، وعدم الاستكبار عن السؤال أو التراجع عن الخطأ، والموضوعية العلمية، والصبر في طلب العلم، وعدم التوقف عن الطلب حتى آخر لحظة في العمر؛ تدارس شيخ من أئمة العلم المتقدمين مسألة مع تلميذه ساعة الاحتضار فقال له تلميذه مشفقاً عليه: أفي هذا الوقت؟ قال شيخه: نعم، أموت وأنا بها عالم خير من أن أموت وأنا بها جاهل. ويجب أيضاً توقير المعلم واحترامه وذكر فضله، وأن يتجنب المعصية فإن العلم نور ونور الله لا يهدي للعاصي، وأن يحرص على نفع الناس بالعلم، والعلم بما عمل.
3- سد الفراغات وتجنب المقارنات:
لا يفرق الإسلام بين فروع وتخصصاته في حصول الأجر والثواب، فكل تخصص تحتاج إليه الجماعة المسلمة، والأمة الأوروبية، والإنسانية بشكل عام مطلوب ومرغوب، فعلى الطلبة المسلمين أن يحرصوا مبكراً على سد الفراغات الهائلة بالاشتغال بالتخصصات الغائبة والمطلوبة كالسياسة، والاجتماع، والفكر والأدب، والقانون، وعلم النفس، وإنني لأحلم باليوم الذي أرى فيه كُتَّاباً وأدباء وشعراء وفنانين وقانونين وساسة بارزين من شبابنا المسلم في أوروبا ليسهموا بعلمهم وتصانيفهم في بناء الحضارة وتصحيح مسارها، وهنا لابد من التنبيه على الآباء والأمهات بضرورة رعاية الفروق الفردية بين أولادهم وتجنب المقارنات بينهم أو بين غيرهم، فإن المقارنات تورث الحقد والتحاسد بين الأولاد وتنتج الأمراض والعقد النفسية وتميت الرغبة في التقدم لدى الأبناء، كما تُلهي عن نقاط التميز والعبقرية في شبابنا وبناتنا.
4- ضرورة التميز العلمي للمسلم:
يجب على طلبة المسلمين أن يتميزوا علمياً وأن يكونوا في المقدمة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، فإنه من أهم النوافذ المعرفة بالإسلام عملياً، ويكفي لتحقيق هذا التقدم استشعار الطالب المسلم أنه في عبادة وأنه بتميزه علمياً يتقدم إلى بلوغ الجنة والترقي في درجاتها كما في النصوص التي ذكرناها، وليعلم كل طالب مسلم وطالبة في الغرب أنه كتاب مفتوح عن الإسلام فيحرص على أن يكون رسول هداية وخير سفير للإسلام، ويحذر من أن يكون فتنة للذين كفروا بقول أو فعل أو تخلف دراسي.
5- استثمار الفرصة وشكر النعمة:
يجب على الطلبة المسلمين استثمار فرصة التعليم الجيد واغتنام الإمكانات المتاحة في ألمانيا وأوروبا؛ فإن غيركم يبذل جهداً في تعلم اللغة ويدفع أموالاً ويواصل الليل بالنهار، ويتغرب عن أهله ووطنه ليحصل على فرصة للدراسة في جامعة من الجامعات الميسورة لكم، واشكروا الله على نعمة الدراسة الميسورة الآمنة وتذكروا طلبة غزة الأبية الذين سيُحرمون من الدراسة هذا العام، وإن درسوا فسيدرسون في الخيام تحت وابل القصف والنيران، فتذكروهم دائما وتحدثوا عنهم وعرِّفوا بقضيتهم ولا تنسوا دعمهم وإغاثتهم بالمقدور والميسور في ظل القوانين والنظم المعمول بها في البلاد.
اللهم وفق طلابنا وافتح عليهم وارزقهم الإخلاص في طلب العلم، وفرِّج الكرب عن أهلنا وإخواننا في غزة، وأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، والحمد لله رب العالمين.