إرسل فتوى

دلائل نبوته من سيرته (الجزء الأول)

دلائل نبوته من سيرته

خطبة الجمعة بمسجد المهاجرين. بون . ألمانيا 13 سبتمبر 2024م

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وبعد

ففي شهر ميلاد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يجدر بنا أن نعمق محبته في قلوبنا وقلوب الجيل الجديد من أولاد المسلمين في أوروبا، ومما يتعين علينا العناية به إقامة الأدلة والبراهين النصية والعقلية على نبوته وصدق دعوته ورسالته؛ لنحصِّن الجيل الجديد ضد حملات التشكيك والطعن في النبوة، ونرد على ما يرد من طعن أو رد لنبوته صلى الله عليه وسلم في الدوائر الغربية وعلى منصات التواصل الشبكية، وأظهر الأدلة على نبوته صلى الله عليه وسلم هي سيرته التي تدل على أنها سيرة نبي.

حديث عبدالله بن سلام قال: لمـــَّا قدمَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ المدينةَ، انجَفلَ النَّاسُ قِبلَهُ، فَجِئْتُ في النَّاسِ، لأنظرَ، فلمَّا تبيَّنتُ وجهَهُ، عرفتُ أنَّ وجهَهُ ليسَ بوَجهِ كذَّابٍ، فَكانَ أوَّلُ شيءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ، أن قالَ: يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ، وأطعِموا الطَّعامَ، وصِلوا الأرحامَ، وصلُّوا باللَّيلِ، والنَّاسُ نيامٌ، تدخلوا الجنَّةَ بسَلامٍ” فقد عرف صدقه بمجرد النظر إليه، وهذا ثمامة بن أثال يتوعد النبي صلى الله عليه وسلم بالقتل ويقع أسيراً بين يديه، ويغير رأيه في النبي صلى الله عليه وسلم ورسالته في ثلاثة أيام قضاها معه أسيراً ويقول: “واللَّهِ ما كانَ علَى الأرْضِ وجْهٌ أبْغَضَ إلَيَّ مِن وجْهِكَ، فقَدْ أصْبَحَ وجْهُكَ أحَبَّ الوُجُوهِ إلَيَّ، واللَّهِ ما كانَ مِن دِينٍ أبْغَضَ إلَيَّ مِن دِينِكَ، فأصْبَحَ دِينُكَ أحَبَّ الدِّينِ إلَيَّ، واللَّهِ ما كانَ مِن بَلَدٍ أبْغَضُ إلَيَّ مِن بَلَدِكَ، فأصْبَحَ بَلَدُكَ أحَبَّ البِلَادِ إلَيَّ” فكيف بمن عرف سيرته كاملة ولم يكتف بثلاثة أيام؟

ولهذا فأهم ما يعمق لدينا ولدى أولادنا المحبة النبوية ويرد على هذه الإشكالات والتشكيكات هو قراءة السيرة النبوية مع أولادنا، وسأركز هنا على براهين النبوة فقط من السيرة النبوية ومنها:

1- سيرته قبل النبوة:

عاش النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة قبل النبوة، ولما أعلن نبوته لم تجد قريش مأخذاً واحداً تأخذه عليه أو تنتقده فيه، بل عُرف بينهم بأنه الصادق الأمين؛ ولما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان عن صفات الرسول صلى الله عليه وسلم وكان فيما قال له: أوَ كنتم تتَّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال: لا. فقال هرقل: فما كان ليَدع الكذب على الناس ويذهب فيكذب على الله عز وجل؟ هل يُتصور عقلاً أن يتمسك إنسان بالأمانة والصدق أربعين سنة ثم بعد الأربعين يرتكب أعظم كذبة على وجه الأرض وهي أن يدعي أنه نبي من عند الله وما هو بنبي؟ وقد نبه القرآن الكريم كفار قريش إلى هذا المعنى فقال تعالى: ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ ‌مُنْكِرُونَ ﴾ [المؤمنون: 69] فالقرآن يوبخهم ويظهر تناقضهم كيف ينكرون نبوته وهم يعلمون صدقه؟

 

2- أُميَّتُهُ صلى الله عليه وسلم:

كان النبي صلى الله عليه وسلم أمياً لم يقرأ مكتوباً أو يكتب مقروءاً، ويكفي في بيان أُميته ما حدث في صلح الحديبية عندما أراد المشركون من علي بن أبي طالب أن يمسح من كتاب الصلح “محمد رسول الله”، ويكتب بدلًا منها “محمد بن عبدالله”، فوافقهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، لكن علي بن أبي طالب رضي الله عنه رفَض أن يفعل ذلك مستعظمًا أن يمسح وصف النبي بالرسالة، فقال له النبي: أرني مكانها، فأشار علي على مكانها، فمسحها النبي صلى الله عليه وسلم، فلو كان النبي يقرأ لما قال لعلي: أرني مكانها. ومع هذه الأمية جاء بكل هذا العلم الذي لا يحيط به العلماء، وهذا يعني أن مصدر علمه ليس ما كتبه هو أو كُتب قبله، وإنما ما أوحاه الله إليه قال تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ ‌تَتْلُو ‌مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ [العنكبوت: 48].

3- قطعُهُ بأنه خاتم الأنبياء ورسالته خاتمة الرسالات:

أكَّد النبي صلى الله عليه وسلم أن سلسلة الرسل والأنبياء قد خُتمت به، ونفى أي احتمال لوجود أي نبي آخر بعده، وأن دين الإسلام هو الدين الخاتم لكل الأديان والمصحح والمكمل لها، قال تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ ‌أَبَا ‌أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الأحزاب: 40]، وقوله صلى الله عليه وسلم: “لا نبي بعدي” متفق عليه. وقد تحقق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فبعد مرور أربعة عشر قرنا من الزمان على ظهور الإسلام لا نجد أثراً لنبوة أو شريعة أخرى بعد نبينا صلى الله عليه وسلم وديننا دين الإسلام؛ بل إن موسى لم ينف مجيء نبي بعده بل بشر به وأكده، ولقد جاء حقا نبي بعد موسى وهو المسيح عليهما السلام، أما المسيح فلم ينف مجيء نبي بعده بل بشر به ولقد جاء بعده نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [الصف: 6] بل أكد المسيح أن محمداً الذي سيأتي بعده سيكون النبي الأخير، ورسالته ستكون الخاتمة لأنها تبقى مع البشر إلى الأبد؛ في إنجيل يوحنا:” وسأطلب من الآب أن يعطيكم معزيا آخر يبقى معكم إلى الأبد” إنجيل يوحنا 14/16.

وبعد مرور أكثر من ثلاثة آلاف عام على مجيء موسى، وألفي عام على مجيء المسيح:

  • ألم يحن الوقت ليسأل أتباع موسى أنفسهم السؤال البدهي والأخطر على الإطلاق: هل علينا أن ننتظر ثلاثة آلاف سنة أخرى ليأتي ذلك النبي الذي وعدنا به موسى “نبيا من وسطك”
  • ألم يحن الوقت ليسأل أتباع المسيح أنفسهم: وهل علينا أن ننتظر ألفي سنة أخرى ليأتينا ذلك المعزى الموعود الذي بشرنا به المسيح عليه السلام؟.

لعلنا نكمل بقية الأدلة على نبوته صلى الله عليه وسلم من سيرته والتي تتجاوز العشرة في حديث قادم بحول الله، ربنا ارفع عنا الظلم والحرب، وفرج الكرب عن أهلنا وإخواننا في غزة والسودان وكل مكان، واجعل محبتنا للنبي صلى الله عليه وسلم سببا في لقائنا به في الفردوس الأعلى من الجنة، والحمد لله رب العالمين.

د. خالد حنفي
د. خالد حنفي
المقالات: 161