إرسل فتوى

حلول قرآنية لمشكلات واقعية

حلول قرآنية لمشكلات واقعية

خطبة الجمعة بمسجد المهاجرين. بون. ألمانيا 9 أغسطس 2024م

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وبعد، فقد تأملتُ واقع الناس ووجدت أظهر ثلاث مشكلات في حياتهم وحلها من القرآن الكريم فوجدتها كالتالي:

المشكلة الأولى: هي مشكلة تزيين الشهوات:

فنحن في عالم تُزين فيه الشهوات وتُرى على غير حقيقتها لإغراء الناس بها، ففي عالم الميديا تجمل النساء للناظرين بأجمل مما هي عليه، وتزين السلع للإغراء بالشراء والتسوق، وتزين سائر شهوات الدينا، بل تزين وتجمل الشبهات الفكرية حتى يُضفى على الإلحاد والشك في وجود خالق للكون زينة وجمالاً تأخذ بالشباب إليه.

 وقد استعمل القرآن الكريم مصطلح التزيين في عرض الشهوات قال تعالى: ﴿‌زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14]   لكن في ظني أن الشهوات لم ْتُجمل وتزين في عصر كما جُملت وزينت في عصرنا، فتلك هي المشكلة الأولى.

وأما المشكلة الثانية: فالشعور بقلة البركة وعدم التوفيق:

فكثيراً ما نسمع من الناس أن المال اليوم كثير ووفير لكن لا بركة فيه، وفي الأزمنة السابقة كان المال قليلا والبركة وفيرة كثيرة، وكان الحب والتآخي والمعروف بين الناس أكثر بينما تحكم العلاقات اليوم المصالح والماديات وتغيب أو تقل المعاني إلا من رحم، كثيراً ما يشكو لي الشباب من الشعور بعدم التوفيق في حياتهم وقراراتهم رغم رغد الحياة ويسرها وتطورها المتسارع، كثيراً ما يفقد الناس الشعور بالأمن النفسي والسكينة والطمأنينة والرضا عن الله.

وأما المشكلة الثالثة فهي: الشعور بالاكتئاب والقلق النفسي:

خاصة بعد طول أمد الحرب في غزة وشعور عموم الناس بخذلان إخوانهم وعجزهم عن رفع الظلم عنهم، ورؤية تناقضات العالم وتأييده للقتل والظلم وعدم وجود أفق أو ضوء ينير الطريق أو يخرج الناس من مشاهد القتل والدم المكرورة على أبصارهم صباح مساء لأكثر من عشرة أشهر، وأيضا تعدد بؤر المظالم والمآسي والمحن للناس في كل مكان، فمحنة المسلمين في السودان لا تقل خطرا وألماً عن محنة غزة، وآلام ومعاناة المهجرين عن أوطانهم، وما نتج من آثار وأزمات ترتبت على الطغيان والاستبداد لا تكاد تخلو منه بقعة من الأرض، والقرآن الكريم فيه شفاء ودواء لكل هذه المشكلات؛ قال تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ ‌شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الإسراء: 82]

وبيان علاج تلك المشكلات من القرآن كما يلي:

المشكلة الأولى: تزيين الشهوات:

وعلاج هذه المشكلة هو الصلاة قال تعالى: ﴿‌فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: 59] فاتباع الشهوات والانخداع بتزيينها نتيجة لإضاعة الصلاة وتركها، فعلينا أن نراجع حالنا مع الصلاة، بأن يصلي من لا يصلي، ومن يصلي يزداد خشوعا في صلاته، ويؤدي الصلوات بسننها القبلية والبعدية ويؤدي الصلاة لوقتها، ويحرص على إيجاد حد أدنى لصلاة الجماعة والانتظام فيها وسماع تلاوة الإمام، وعلى المساجد أن تنظم حملات دعوية لتحبيب الناس في الصلاة، وعلينا أن نراجع أحوالنا مع صلاة الجمعة والانتظام فيها والتوفيق بين العمل والدراسة والصلاة؛ فهي الزاد الروحي والثقافي والاجتماعي الأسبوعي، وعلينا أن نجعل أولويتنا الأولى في تربية أولادنا هي الحفاظ على الصلاة، فالصلاة هي عمود الدين وعماده.

وإذا وقع أي انحراف في واقع شبابنا يمكن تقويمه وإصلاحه ما انتظموا في الصلاة وحافظوا عليها أما إذا ضيعوا الصلاة فقد تعقد أمر إصلاحهم واستنقاذهم من وحل الشهوات وخطر الشبهات قال تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ ‌الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: 45]، ومن تركَ الفحشاء وترك الصلاة فوقوعه في الفحشاء يسير جداً إلا إذا عاد للصلاة.

المشكلة الثانية: الشعور بقلة البركة وعدم التوفيق:

وعلاج هذه المشكلة ببر الوالدين خاصة الأم قال تعالى: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا ‌شَقِيًّا﴾ [مريم: 32]، فبر الأم ينفي الشقاء عن البار بأمه ويمنحه البركة والتوفيق في قراراته وحياته، ويجعله شخصا محبوباً في الأرض والسماء، وطبيعة الحياة في أوروبا قد تجعل الإنسان بعيدا عن أبويه ويكون هو في بلد وهم في بلد فيصعب أمر برهم، وقد يكونون في نفس البلد لكن الجيل الجديد يتأثر بثقافة المجتمع فلا يحسن إلى أمه ولا يسعى إلى برها وإرضائها على أتم صورة، فالواجب عليك أن تتحسس طلبات أمك وإن لم تنطق بها وأن يستمر هذه البر حتى بعد موتها وأن لا يمنعك عنه أي مانع مهما أساءت إليك أو قصرت معك، وحتى لو سبقتها إلى الإسلام وبقيت على غير دين الإسلام واجب عليك برها والإحسان إليها.

وقد علمتُ أنَّ أُمَّاً لأحد الدعاة أصيبت في حادث وكانت قعيدة في الفراش لسنوات وكان ولدها يقوم على تنظيفها وتغيير ملابسها ورعايتها على أتم صورة ولما تزوج لم يطلب من زوجته سوى طلب واحد، هو إعطاء أمه الأدوية في وقتها فقط أما أمورها الخاصة فيتحملها هو، وظل كذلك حتى ماتت أمه، فأكرمه الله بتوفيق عجيب في حياته وفتح له قلوب الخلق، إنه الداعية المعروف الدكتور/ محمد راتب النابلسي، قلتُ: لعل هذا بسبب بره بأمه!!  

المشكلة الثالثة: الشعور بالاكتئاب والقلق النفسي:

فعصرنا هو عصر الأمراض النفسية، والضيق النفسي، والاكتئاب بصوره ومراحله، وعلاج هذه المشكلة في العودة إلى القرآن تلاوة وتدبرا وعملاً قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ‌ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: 124]، وقال تعالى: ﴿طه (١) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ ‌لِتَشْقَى﴾ [طه: 1-2]

فلابد من الانتظام في أورادنا القرآنية وعدم تركها مهما كانت الشواغل والصوارف وأن نكون قدوة لأولادنا، وأن نربيهم على علاقة يومية لا تنقطع مع القرآن الكريم، وقد أُثر عن كثير من السلف أن بركة الوقت والإنجاز كانت تحصل لهم بقدر ما يقرأون من القرآن، وكلما زادوا في وردهم زادت البركة والإنجاز.

اللهم فرج همنا وكربنا وردنا إلى كتابك، وكن لأهلنا وإخواننا في غزة، اللهم أطعمهم من جوهم وآمنهم من خوف، والحمد لله رب العالمين.  

د. خالد حنفي
د. خالد حنفي
المقالات: 161