إرسل فتوى

ثلاثة أمور من علامات الإيمان

ثلاثة أمور من علامات الإيمان

خطبة الجمعة بمسجد المهاجرين . بون. ألمانيا 18 يوليو 2025م

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وبعد، فمن الأحاديث الجامعة للمعاني العظيمة والتي تشكل مفاتيح دعوية للتعريف بالإسلام بالغرب، وكيفية تجسيد أخلاق الإسلام وقيمه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» البخاري ومسلم.

وهذا الحديث يؤكد أن من شرائط الإيمان بالله واليوم الآخر وعلاماته التحلي بأخلاق ثلاثة وهي: الإحسان إلى الجار وعدم إيذائه، وإكرام الضيف، ولزوم الصمت إلا في قول الخير، وكما قَالَ الْإِمَامُ الْجَلِيلُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ إِمَامُ الْمَالِكِيَّةِ بِالْمَغْرِبِ فِي زَمَنِهِ جِمَاعُ آدَابِ الْخَيْرِ يَتَفَرَّعُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المرء تركه مالا يَعْنِيهِ، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي اخْتَصَرَ لَهُ الْوَصِيَّةَ لَا تَغْضَبْ، وَقَوْلِهِ صَلَّى الله عليه وسلم لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ. شرح النووي على مسلم.    

 وعليه فيلزم من التزم شرائع الإسلام إكرام ضيفه، والإحسان إلى جاره، وضبط لسانه، ويمكننا إيجاز التعليق على رسائل الحديث الثلاثة فيما يلي:

1- الإحسان إلى الجار وعدم إيذائه:

يُذهل المرء حين يقرأ كم وعدد الأحاديث التي أمرت بالإحسان إلى الجار وتعهده وتجنب إيذائه، ويلفت النظر أيضا أن كل النصوص النبوية التي أمرت بالإحسان إلى الجار جاءت عامة لم تفرق بين الجار المسلم وغير المسلم، ففِي ” الْمُسْنَدِ ” وَالتِّرْمِذِيِّ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ ذَبَحَ شَاةً، فَقَالَ: هَلْ أَهْدَيْتُمْ مِنْهَا لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» “

وهذا يعني أن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فهم من وصية جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم بالجار العموم فنزله وطبقه على جاره اليهودي بل أمر خادمه أن يبدأ به وأن يقدمه على جاره المسلم.

والنبي صلى الله عليه وسلم يُقسم على نفي الإيمان عن المسلم الذي لا يأمن جاره شروره وأذاه، وأنه محروم من الجنة فعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» الْبُخَارِيِّ.

وحد الجار أوسع بكثير مما نظن فقد قَالَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ: حَدُّ الْجِوَارِ أَرْبَعُونَ دَارًا، وَقِيلَ: مُسْتَدَارُ أَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ.

وَفِي مَرَاسِيلِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ «رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُو جَارًا لَهُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ أَنْ يُنَادِيَ: ” أَلَا إِنَّ أَرْبَعِينَ دَارًا جَارٌ»

” وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: أَرْبَعُونَ هَكَذَا، وَأَرْبَعُونَ هَكَذَا، وَأَرْبَعُونَ هَكَذَا، وَأَرْبَعُونَ هَكَذَا، يَعْنِي مَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ.

وصور الإحسان إلى الجار وتجنب أذاه كثيرة جداً، وهي باب دعوة للمسلمين في الغرب لو أحسنوا فقهه وتجسيده مع جيرانهم من المسلمين وغير المسلمين، ومن إكرام الجار تعريفه بالإسلام والإجابة عن أسئلته حوله، وكم كان إحسان المسلم إلى جاره غير المسلم سببا في إسلامه، أو تغيير قناعته عن الإسلام وتصحيح الصور المغلوطة عن الإسلام، أو إهداء ما يملك الجار غير المسلم لجاره المسلم وتقديمه له على أولاده؛ لما رأى منه من إحسان لم يره من أولاده.

2-إكرام الضيف:

وإكرام الضيف خلق إسلامي رفيع لا فرق فيه بين مسلم وكافر وقد أوجبه كثير من الفقهاء ثلاثة أيام وما زاد فهو صدقة؛ لحديث مسلم عن  أَبِي شُرَيْحٍ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَجَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَهُوَ صَدَقَةٌ»

وقد شدَّد كثير من الصحابة على أهمية وضرورة إكرام الضيف فهذا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو يقول: مَنْ لَمْ يُضِفْ، فَلَيْسَ مِنْ مُحَمَّدٍ، وَلَا مِنْ إِبْرَاهِيمَ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لِقَوْمٍ نَزَلَ عَلَيْهِمْ، فَاسْتَضَافَهُمْ، فَلَمْ يُضِيفُوهُ، فَتَنَحَّى وَنَزَلَ، فَدَعَاهُمْ إِلَى طَعَامِهِ، فَلَمْ يُجِيبُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ: لَا تُنْزِلُونَ الضَّيْفَ وَلَا تُجِيبُونَ الدَّعْوَةَ مَا أَنْتُمْ مِنَ الْإِسْلَامِ عَلَى شَيْءٍ، فَعَرَفَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُ: انْزِلْ عَافَاكَ اللَّهُ، قَالَ: هَذَا شَرٌّ وَشَرٌّ، لَا تُنْزِلُونَ إِلَّا مَنْ تَعْرِفُونَ.

وقد كان إحسان رجل عامي مغربي إلى ضيف ألماني نزل به فأضافه وأكرمه دون سابق معرفة أو طلب مال منه سببا في إسلام الألماني، وبعد إسلامه بسنوات علم المغربي بموته مسلما بسببه فكان سببا في هدايته واستقامته.  

3- لزوم الصمت إلا أن تقول خيرا:

وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَإِنْ كَانَ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ خَيْرًا مُحَقَّقًا يُثَابُ عَلَيْهِ وَاجِبًا أو مندوبا فَلْيَتَكَلَّمْ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَنَّهُ خَيْرٌ يُثَابُ عَلَيْهِ فَلْيُمْسِكْ عَنِ الْكَلَامِ سَوَاءٌ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ أَوْ مُبَاحٌ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْكَلَامُ الْمُبَاحُ مَأْمُورًا بِتَرْكِهِ مَنْدُوبًا إِلَى الْإِمْسَاكِ عَنْهُ مَخَافَةً مِنِ انْجِرَارِهِ إِلَى الْمُحَرَّمِ أَوِ الْمَكْرُوهِ وَهَذَا يَقَعُ فِي الْعَادَةِ كَثِيرًا أَوْ غَالِبًا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: 18]

وقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تحذر من آفة اللسان وتذم كثرة الكلام وتمدح الصمت إلا في أمر بمعروف أو نهي عن منكر، كما وَرَدَ أَنَّ اسْتِقَامَةَ اللِّسَانِ مِنْ خِصَالِ الْإِيمَانِ، كَمَا فِي ” الْمُسْنَدِ ” عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ» .

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ»

وكثرة الكلام مظنة الخطأ، ومما يقع الناس فيه اليوم الإكثار من الكتابة والتصوير المرئي على صفحات التواصل الاجتماعي مما يؤدي إلى كثرة الأخطاء وشحن النفوس وتغير القلوب، فكم من علاقات تقطعت وبيوت تهدمت بسبب كلمة قيلت أو تعليق نشر.

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، وفرج الكرب وأوقف الحرب عن أهلنا في غزة، واحفظ الشام وأهله من كل مكر وشر، واجعل الأمن والسلام والعدل يعم العالم، والحمد لله رب العالمين.    

د. خالد حنفي
د. خالد حنفي

الدكتور خالد حنفي هو أحد العلماء البارزين المتخصصين في أصول الفقه، وقد حصل على درجة الدكتوراه في أصول الفقه عام 2005. شغل العديد من المناصب العلمية والدعوية والأكاديمية المرموقة في العالمين العربي والإسلامي، خاصة داخل القارة الأوروبية.

المقالات: 80