إرسل فتوى

“تحديات الأسرة المسلمة في الغرب ”

“تحديات الأسرة المسلمة في الغرب ”
الموضوع الذي نحن بصدد الحديث عنه الآن هو قضية الأسرة وملف الأسرة في الغرب، والتحديات المتعلقة بها.
سأقدّم بجملة من المقدمات قبل أن أسرد جملة أيضًا من التحديات، وهذه المقدمات مقدمات ضرورية ولازمة لاستيعاب الموضوع وفهم، يعني الوقوف على خطره وعلى أهميته.
أولا/ مركزية الأسرة في التصور الإسلامي
موضوع الأسرة في الإسلام، قضية مركزية في التصور الإسلامي، بمعنى أن أي حضارة تقوم بشكل أساسي على الأسرة، وحضارة الإسلام تقوم بشكل أساسي على وجود الأسرة وسلامة الأسرة وصيانة الأسرة وحفظ الأسرة.
بقدر ما تكون مؤسسة الأسرة قوية وراسخة ومحميّة من الآفات ومن المخاطر التي تهددها، بقدر ما تكون هذه الأمة أو الحضارة التي توجد فيها هذه الأسرة بخير وإلى خير.
وبقدر ما تضعف مؤسسة الأسرة أو تتراجع مؤسسة الأسرة، بقدر ما تبدأ هذه الحضارة التي تعتدي على الأسرة أو لا تبالي بحمايتها، تبدأ في الأفول والتراجع والسقوط الحضاري.
ما العلاقة بين الطلاق وبين زوال الأمم؟
سورة الطلاق من سور القرآن الكريم، صفحتان فقط، يعني ليست من السور الطويلة. تحدثت السورة في أولها عن أحكام الطلاق وما يتعلق به، ثم جاء التعقيب على أحكام الطلاق بقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا * وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا * فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا﴾[سورة الطلاق، الآيات 8–10]
ما العلاقة هنا؟ وما الرابط بين الطلاق وبين زوال الحضارات، كما في هذه الآية؟ 
 العلاقة هي: أنه بقدر ما تُحمى الأسرة، بقدر ما تُصان الحضارة، وبقدر ما تُهدم الأسرة، بقدر ما تُهدم الحضارة.
ولذلك، أي أمة اليوم تعتدي على الأسرة وتهدمها بمدخلات جديدة على صورتها الفطرية المستقرة المعروفة عند كل الأمم، فهي تدقّ المسمار الأول في أفول حضارتها.
ولذلك أيضًا، المكون الأوروبي المسلم، الجماعة المسلمة التي تعيش في الغرب، لو فهمت حقيقة رسالتها، وفهمت قضية مركزية الأسرة، وفهم الغرب هذا البعد، سيدرك تمامًا أن هذا التجمّع وهذا المكون المسلم ضروري للحضارة الغربية أصلًا، قبل أن يكون ضروريًا للمكون المسلم.
لماذا؟ لأنه أحد أهم عوامل صيانة وحماية وحراسة هذه الحضارة من الفناء والأفول أو الزوال.
يلفت النظر أيضًا سورة البقرة أطول سورة في القرآن الكريم كما تعلمون…وهي سورة الاستخلاف، وهي السورة الوحيدة التي ورد فيها التفصيل الكامل لأركان الإسلام الخمسة، وأركان الإيمان الستة.
بدأت السورة بالحديث الإجمالي عن أركان الإيمان الستة.
أركان الإيمان الستة إجمالًا هي: الإيمان بالغيب، كما قال الله تعالى:
﴿الم * ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾[سورة البقرة، الآيتان 1–3] ثم قال: ﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾.
فالإيمان بالغيب ورد أولًا، ثم جاء التفصيل في آخر السورة، في قوله تعالى:﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ﴾[سورة البقرة، الآية 285]
وهذا تفصيل لما أُجمل في أول السورة من أركان الإيمان بالغيب.
ثم أركان الإسلام الخمسة:
  • ركن التوحيد:
    قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[سورة البقرة، الآية 21]
  • ركن الصلاة:
    قال تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾[سورة البقرة، الآية 238]
  • ركن الصيام:
    لم يرد الحديث عن الصيام مفصلًا إلا في سورة البقرة، كما في قوله تعالى:
    ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[سورة البقرة، الآية 183]
  • ركن الحج:
    قال تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾[سورة البقرة، الآية 196]
    وآيات الحج طويلة أيضًا في سورة البقرة.
  • ركن الزكاة:
    قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ﴾[سورة البقرة، الآية 267]
وهذه الآية من انفرادات الحنفية، إذ استدل بها الإمام أبو حنيفة على أن الزكاة في كل ما يُخرج من الأرض، وليس في الأصناف المحددة فقط.
بعض الأئمة قال: لا، الزكاة في الأصناف التي حددتها السنة، وليس في كل ما يخرج من الأرض، أما الإمام أبو حنيفة فقال: بل كل ما يخرج من الأرض فيه الزكاة، حتى إنه قال: إن “القصب الفارسي” أو ما يُعرف في مصر بـ”البوص” الذي ينبت على المصارف، فيه الزكاة إذا بلغ نصابًا وحال عليه الحول، مستدلًا بقوله تعالى:﴿وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ﴾[سورة البقرة، الآية 267]
ثم إن سورة البقرة هي السورة الوحيدة التي اشتملت على المنظومات المتكاملة التي تقوم على أساسها الدولة، ومنها المنظومة الاقتصادية، التي فصلت تفصيلًا في سورة البقرة.
المنظومة الاقتصادية في الإسلام تقوم على عدم وجود الربا، وأيضًا الحديث عن الربا جاء في القرآن الكريم في سورة البقرة، وسورة آل عمران، وسورة النساء، وسورة الروم.
لكن أطول حديث وأظهر حديث وأعمق حديث وأشد حديث تخويفًا ورد في سورة البقرة، من أول قول الله تبارك وتعالى:﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾[سورة البقرة، الآية 275]
إلى قوله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾[سورة البقرة، الآية 278]
ويقابل هذا الوعيد الشديد على الربا، الدعوة إلى الإنفاق والصدقة في أكثر من موضع في سورة البقرة، مثل:﴿قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى﴾[سورة البقرة، الآية 263]
وأيضًا:﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ﴾[سورة البقرة، الآية 261]
إلى آخر الآيات في سورة البقرة.
ثم المنظومة الاقتصادية، والمنظومة العسكرية، ومنظومة القتال، كما في قوله تعالى:﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا﴾[سورة البقرة، الآية 190]
وأيضًا قوله تعالى:﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾[سورة البقرة، الآية 217] المنظومة العسكرية، منظومة القتال بتفاصيلها، جاءت في سورة البقرة.
ثم منظومة الأسرة بتفاصيلها، في سورة البقرة. فلم يرد في سورة من سور القرآن الكريم الحديث المفصّل عن منظومة الأسرة، من أول أحكام الخطبة، وأحكام الرضاعة، وأحكام الإيلاء، وأحكام الخلع، وأحكام الطلاق، كل ما يتعلق من أحكام تفصيلية للأسرة، من أول خطوة (الخطبة)، إلى الطلاق والانفصال والخلع والإيلاء، كله في سورة البقرة.
ما الرسالة؟
الرسالة: كأنّه لا قيام للدولة، ولا تحقيق للاستخلاف، بغير وجود الأسرة وبغير صيانة الأسرة.
إذًا قضية الأسرة ليست قضية هامشية في الإسلام، موضوع الأسرة وملف الأسرة هو الملف المركزي في التصور الإسلامي.
هذا هو المدخل الأول أو النقطة الأولى.
ولذلك، الله سبحانه وتعالى – سبحان الله – في القرآن الكريم لم يُسمِّ عقد الإيمان به “ميثاقًا غليظًا”، مع أن الإيمان بالله سبحانه وتعالى رغم تكراره في القرآن الكريم كثيرًا، ما سماه الله تعالى “ميثاقًا غليظًا”.
إنما سمّى عقد الزواج ميثاقًا غليظًا، كما في قوله تعالى:﴿وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾[سورة النساء، الآية 21]، لعلوّ شأنه ومنزلته وقيمته عند الله تبارك وتعالى.
فإذا كانت الأسرة قضية مركزية، وكان القرآن الكريم يسمّي عقد الزواج “ميثاقًا غليظًا”، فهل نحن عندما نتعامل مع عقد الزواج اليوم، ومع الأسرة، ومع الطلاق، ومع الخلع، ومع الحضانة، ومع ما يتعلق بأحكام الأسرة في المجتمع الغربي ووجود المسلمين فيه، هل يعكس ذلك أن الزواج ميثاق غليظ؟
هل يعكس أن الأسرة قضية مركزية؟
يعني: الرجل الذي يقرر هدم أسرته، والمرأة التي تهدم أسرتها بمعاول الهدم، هل يجسدان هذا المفهوم الذي ذكرناه؟
من سورة البقرة، إلى سورة الطلاق، إلى سورة النساء؟ قطعًا لا.
ثانيا/ ملف الأسرة هو أفضل ملف يمكن أن يقدّم المسلمون أنفسهم به للمجتمع الغربي.
نحن قدَّمنا أنفسنا بصورة خاطئة للمجتمع الغربي، قدَّمنا أنفسنا إمَّا بشعائر وتعبُّديّات لا تفهمها العقليَّة أو الشخصيَّة الغربيَّة.
يعني، عندما تتحدث عن الحجاب مثلًا، المسلمون قدَّموا أنفسهم به وكأنه الركن السادس من أركان الإسلام.
طبعًا، هذا لا يعني – حتى لا يُفهم كلامي خطأ – أن الحجاب ليس فرضًا؛ بل هو فرض ديني قطعي مطلق، وله بُعد يتعلّق بالهويَّة، وهذا يُضاعف من أهميَّة الحجاب في الإسلام، لكن أقول: ليس هو الملف المناسب الذي يمكن أن نُعرّف أنفسنا به، أو نقدّم أنفسنا، أو نقدّم ديننا به لهذا المجتمع.
أو مثلًا: الشعائر والتعبُّديّات، كالصلاة أو الدفن.
أنت اليوم، إذا سألتَ شخصًا غير مسلم: ما هو تعريفك للمسلم؟ من هو المسلم؟ ماذا سيقول؟
سيقول: الذي لا يشرب الخمر، ولا يأكل الخنزير، وإذا كانت امرأة، تكون متحجبة. فقط.
لا يعرف شيئًا عن الإسلام أو عن المسلم إلا هذا المفهوم!!! صح أم لا؟
من أين أتى بهذا المفهوم؟هو ليس خطأ طبعًا، لكن ليس هو الإسلام.
اليوم، إذا أردتَ – إذا جاءك شخص كندي الآن يسأل عن الإسلام، يريد أن يتعرّف على الإسلام – كيف تقدّمه له؟ كيف تُعرّفه بالإسلام؟
إذا هداه الله فأسلم، واعتنق الإسلام، ونطق بالشهادتين، وأراد أن يرتّب أولويات الالتزام الديني عنده، كيف يرتّبها؟
وهل أولويات هذا الالتزام الديني تنطلق من فهم ووعي وإدراك للشخصيَّة الغربيَّة؟ وكيف تُفكّر؟ وأيضًا للقضايا الكبرى في الإسلام؟
قصة يرويها الشيخ طه جابر العلواني:
سأحكي لكم قصة حكاها الشيخ طه جابر العلواني رحمه الله. والحكاية عمرها يتجاوز ربع قرن، يعني: انتبه، “ربع قرن” معناها أن هناك تغيّرات هائلة طرأت على ملف الأسرة اليوم في الشرق وفي الغرب.
هناك دراسة حديثة عن دولة من أكبر الدول العربية في العالم الإسلامي، عن نسبة الطلاق فيها. الدراسة صدرت قبل سنة تقريبًا، تقول إن نسبة الطلاق 46%.
هذه نسبة ضخمة.
وطبعًا، خذها قاعدة: إذا كان هناك أي آفة أو خلل أو إشكال في الشرق أو في المجتمعات ذات الأكثرية المسلمة، فثق أنه خمسة أضعاف في الغرب.
قطعًا، هذا مؤكد من خلال المشاهدات التي نراها ونتابعها.
الشيخ طه جابر العلواني رحمه الله، يحكي أنه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، دعت إلى لقاء يُشارك فيه ممثل الأديان في أمريكا.
يعني: كل أتباع ديانة معينة يرشّحون من يمثّلهم، ويأتي ليشارك في هذا اللقاء.
وذهب هو ممثِّلًا عن المسلمين، عن الإسلام، ليتكلم عن الإسلام.
ما هدف هذا اللقاء؟
قالوا: نحن نريد من كل أتباع دين يعيشون في أمريكا أن يُجيبونا عن هذا السؤال:
ما الذي يمكن أن يُضيفه كلُّ دين من هذه الأديان إلى قيم المجتمع الأمريكي؟
يعني: أنتم ممكن تُضيفوا لنا ماذا؟
وجودكم هذا، ما الذي يمكن أن نستفيده من الحضارة الإسلامية؟ أو من المنهج الإسلامي؟ أو من المنهج البوذي؟ أو اليهودي؟ أو أي من هذه الأديان الموجودة؟
شارك خمسون شخصية، يقول: فتحتُ قوسًا على ملف الأسرة، وتكلّمتُ عن منهج الإسلام في بناء الأسرة والحفاظ عليها، وإلى آخره…
قال: وجدتُ أن الجميع لا يريد أن يستمع لأحد غيري.
ثم عقّبوا جميعًا قائلين: “يبدو أن الجواب عندكم، يبدو أنه لا أمل لاستنقاذ ما تبقّى من قيم الأسرة الأمريكية التي ضاعت، إلا في المنهج وفي التصوّر الإسلامي” وأخذوا كلهم يتكلّمون حول هذه النقطة، وقالوا: “أنتم فعلاً لديكم منهج محكم ودقيق…”، وإلى آخره.
ثم يعقّب هو فيقول:“ولكن، هل فعلاً نموذج الأسرة المسلمة في أمريكا هو نموذج جاذب للشخصية الأمريكية؟
أم أننا ابتعدنا وانحرفنا، فلم تَعُد هناك فروق كثيرة بين الأسرة المسلمة في أمريكا، وبين الأسرة الأمريكية نفسها – إذا كانت الأسرة الأمريكية ما زالت موجودة أصلًا؟”
يقول هذا الكلام – كما ذكرت – قبل أكثر من ربع قرن، فما بالك الآن، بعد كل التغيّرات التي طرأت على ملف الأسرة؟
وأنا ذكرتُ تلك الدولة العربية كمثال، ومعناها: هل كان من الممكن أن يتخيّل أحد أن دولة عربية مسلمة، عندها قيم راسخة في قضية الأسرة، تصل فيها نسبة الطلاق إلى 46٪؟!
إذًا: هناك تغيير حاصل، وهذا التغيير، كما هو موجود في الشرق، هو موجود في الغرب أيضًا.
ثلاث مشكلات يعاني منها الغرب لا حلّ لها إلا في الإسلام:
أذكر أيضًا أني قرأتُ لأحد المستشرقين الأوروبيين، ممن اهتمّ بتاريخ الأديان وتاريخ الحضارات، قال:“هناك ثلاث مشكلات لا حلّ لها إلا في الإسلام، ثلاث مشكلات لا يوجد لها حلّ حقيقي وعملي، يعاني منها الغرب، إلا في الإسلام.”
ما هي هذه الثلاث مشكلات؟(طبعًا، هو غير مسلم):
  1. مشكلة الأسرة
  2. مشكلة المخدرات
  3. مشكلة العنصرية
وقال إن عبقرية منهج الإسلام أنه ليس كلامًا نظريًا فقط، بل كلام نظري وعملي، عنده تجربة حقيقية عملية موجودة.
فمثلًا: العنصرية – كيف آخى الإسلام بين سلمان وصهيب، وبين أطراف مختلفة من الصحابة؟
هذا أبيض، وهذا أسود.
هذا كان عبدًا، وهذا حر.
وبينهم بُعد المشرقين.
فآخى الإسلام بينهم، وأزال كل فوارق القوميات والعنصريات.
أما المخدرات والخمر، فمن يقرأ عن تعلق العرب بالخمر، والقصائد التي كُتبت فيها، والأسماء التي أطلقها العرب على الخمر – أكثر من مئة اسم – يدرك أن تعلّق العرب بالخمر وإدمانهم لها كان أعظم من تعلّق الأوروبيين اليوم بها.
ومع ذلك، حرّرهم الإسلام منها، عندما نزل قول الله تبارك وتعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾[سورة المائدة، الآية 90]
حُسم الأمر، وأراق الصحابة كميات من الخمور المُعتّقة، الغالية الثمن، التي كانت عندهم، أراقوها في المدينة.
لدرجة أن من يستدل على أن الخمر طاهرة (أي: ليست نجسة حسًّا)، يقول: إن الخمور أُريقَت بكميات كبيرة، وكانت تُصيب ثياب الناس، وما أمرهم النبي ﷺ بتطهيرها.
فكيف انتزع الإسلام هذا الإدمان وهذا التعلّق، الذي سكن قلوب الصحابة وقلوب الناس تعلقًا شديدًا بالخمر؟
كيف انتزعها؟ وكيف حرّرهم منها؟ وجعلهم يُريقون ما عندهم من خمور؟
قال: “نحن في الغرب أنفقنا ملايين، بل مليارات الدولارات، فقط من أجل أن نمنع تناول الخمور للشباب في سن معين، وليس لمنعها بالكلية، بل فقط لأن فيها خطرًا على الشباب.”
طيب، هل يمكن أن نستفيد من هذا؟
ثم ملف الأسرة، وطبعًا، الكلام أيضًا له بعد قديم، فـ”نحن في ملف الأسرة عندنا مشكلة كبيرة جدًّا”، والجواب على مشاكل الأسرة، وحلول الأسرة، عند الإسلام، في الإسلام.
نحن – للأسف – عندنا مشاكل في الثلاث مشكلات التي ذكرها هذا الرجل (الأسرة، المخدرات، العنصرية).
فإذا أمسكت بالعنصرية، أو القومية، فستجد أن بعض المسلمين، وبعض المساجد الإسلامية في الغرب، تُجسّد العنصرية، وتُجسّد القومية.
أحد الأئمة أرسل لي رسالة، يطلب مني أن أساعده في جمع التبرعات لمسجد، وقال لي: “أنت تعرف الناس، ونريدك أن تشفع لنا عند المساجد حتى يعينونا على شراء هذا المسجد.”
قلت له: طيب إن شاء الله.
ثم أخذت الملف أقرأه، فوجدت أنهم يقولون: “هذا مسجد كذا”، مثلًا: “مسجد الأنصار”، أو أول مسجد… – ونسبوه إلى الجنسية أو العِرق – مثلًا: “أول مسجد ألباني في ألمانيا”.
قلت له: كيف يمكن أن تجعل عنوان المسجد يُجسّد قومية أو عنصرية؟
الإسلام جاء ليحررنا من هذه القوميات وهذه العصبيات، وأنت تريد أن تُرسّخها من خلال المسجد؟!
المساجد مصانع التوحيد
الشيخ عبد المعز عبد الستار رحمه الله، وهو عالم جليل، وأحد أهم شيوخ الإمام القرضاوي رحمه الله، كان يقول:“المساجد هي مصانع التوحيد.”
أنا لم أفهم هذه الكلمة إلا عندما جئت إلى أوروبا.
يعني: ما معنى أن المساجد مصانع التوحيد؟
أي أن المساجد توحّد الناس: الليبي إلى جوار المغربي، إلى جوار التونسي، إلى جوار الأبيض، إلى جوار الأسود، إلى الكندي الذي اعتنق الإسلام، كلهم في صف واحد، وفي مسجد واحد، يصلون إلى قبلة واحدة؛ وحّدهم المسجد، جمع بينهم المسجد، فإذا ببعض المساجد – للأسف – في الغرب تُجسّد هذه القومية!
المخدرات: عندنا نسب وأعداد غير قليلة من أولاد المسلمين الذين يدخلون السجون بسبب المخدرات، بكل أسف.
فلم نقدّم النموذج الحقيقي الصحيح الراشد الواعي في هذه القضايا أو في الملفات الثلاثة.
خلاصة هذه المقدمة:
أنه إذا أردنا أن نقدم أنفسنا للمجتمع كـ”عامل أثر وإضافة”، ونختار ملفًا غير صدامي مع المجتمع، ملفًا آمنًا من الملفات الآمنة، فإن ملف الأسرة هو أفضل الملفات.
وليس معنى هذا أن نُهمل الملفات الأخرى، أو نتركها، إنما أن نجعلها في رتبة متأخرة قليلًا.
موضوع الأسرة، ودراسة تحديات الأسرة التي سأتحدث عنها الآن، هو أمر ضروري جدًّا.
لماذا؟ لأننا إذا أردنا أن ننظر في المؤسسات أو الجهات المكلفة والمطلوب منها حماية وحراسة الدين، فسنجد أنها عبارة عن:
  • المسجد
  • المدرسة
  • الأسرة
  • المجتمع
المجتمع: دوره تقريبًا متراجع، بل منعدم، سواء في الشرق أو في الغرب.
المساجد: المساجد في الغرب تقوم بدور لا بأس به في حراسة الهوية، وبناء الوعي، وترشيد الناس، لكن أدوارها ضعيفة، لا تقوم بالدور الكامل المطلوب منها، وهذا ليس عيبًا في المساجد، بل القضية تتعلّق بـتحديات خاصة بهذه المساجد والمؤسسات، مثل:
  • تحديات مالية
  • وإمكانات ليست بأيديهم، حتى يستطيعوا أن يقوموا بمهمتهم ورسالتهم.
المدارس الإسلامية ليست متاحة لكل الناس في الغرب، وغير مقدور على نفقاتها وأموالها، فلم يتبقَّ أمام الناس إلا المدارس الحكومية العادية، وطبعًا تشكل خطرًا كبيرًا جدًّا على الدين وعلى الهوية.
فلم يتبقَّ أمامنا لحراسة الدين وحراسة الهوية إلا الأسرة.
يعني: أن الأسرة في الغرب تقوم بدور المسجد، وتقوم بدور المجتمع، وتقوم بدور المدرسة.
تُخلية وتُحلّية في الحالتين: تُحاول أن تستبعد كل القيم السلبية التي غُرست في الأولاد في المدارس أو من خلال المجتمع،وتُحِلّ محلّها القيم الإسلامية، وهذا جهد كبير جدًّا، وصعب جدًّا، والأسرة مطلوب منها أن تقوم به؛ فما أصعبه من دور في الحقيقة!
لذلك، مطلوبٌ منا أن نعتني بالأسرة، وأن نتدارس كل ما يتعلق بها من تحديات وإشكالات، وننظر: كيف السبيل للتعامل مع هذه التحديات ومواجهة هذه الإشكالات؟
عندنا أربعة عشر تحديًا…سنحاول قدر الإمكان أن نأخذ ما يتيسّر الآن، ولعلنا نكمل الباقي في وقتٍ آخر إن شاء الله.
✦ أول تحدٍّ في تقديري – وأكبر تحدٍّ للأسرة اليوم، سواء في الشرق أو في الغرب، لكنه أظهر في الغرب – هو:
التحدي الأول: غياب النموذج الإسلامي في الأسرة.
بمعنى أن الغرب، بمنظومته، وتصوّراته عن الأسرة، هو المهيمن والمسيطر…الغرب اليوم هو الأمة الشاهدة على الناس.
أما نحن كأمة مسلمة مستضعفة اليوم، فـلسنا الأمة الشاهدة على الناس، مع حالة الاستضعاف والتراجع الحضاري التي تعيشها الأمة المسلمة، لسنا نحن الأمة الشاهدة.
ومع هيمنة الغرب وسيطرته على سائر الملفات – ومن بينها ملف الأسرة – فهو لا يقدم نفسه كخيار من الخيارات، أو نموذج من النماذج يمكن أن يُزاحم بنموذج آخر.
كلا، الغرب لا يقبل المزاحمة، بل يريد هو النموذج الأوحد المسيطر على هذا الملف أو هذا الموضوع.
✦ ولذلك، أنا جلست أتفكر كثيرًا في قضية الميراث، مثلًا:ما الذي يجعل قضية الميراث – وقضية “للذكر مثل حظ الأنثيين” – قضية إشكالية، حتى عند بعض المسلمين اليوم؟
اليوم عندنا مفكرون مسلمون محترمون، يعيشون في الغرب، يطرحون نفس الطرح الحداثي.
طارق رمضان، مثلًا، في كتابه الإصلاح الجذري، يقول نفس الكلام الذي يقوله التيار الحداثي. يقول:“نعم، إذا تغيّر العصر، وتغيّر الزمن، وصارت المرأة تعمل مثل الرجل، وتكسب مثل الرجل، أو ربما هي التي تنفق على الرجل، وصار الإخوة لا يقومون بواجبهم نحو أخواتهم ونحو البنات، إذًا نُعدّل هذا النظام، ونلغي (للذكر مثل حظ الأنثيين).”
السبب الأساسي الذي يجعل هذه القضية قضية إشكالية، هو أننا لسنا الأمة الشاهدة على الناس.
يقول لك: “المرأة تعمل.” طيب، من الذي قال لها أن تعمل؟
حتى لو كانت تعمل وتكسب، فهل كسب المرأة يُلزمها بمساعدة زوجها في الإنفاق على الأسرة؟ كلا.
هو المسؤول الأول والأخير، مهما اغتنت زوجته، ومهما افتقر هو.
فما الذي أدخل هذا بذاك؟! المنظومة الغربية هي التي فرضت هذا النموذج.
ولأننا نأخذ جزءًا من المنظومة الإسلامية – مثل (للذكر مثل حظ الأنثيين) – ونضعه ضمن المنظومة الغربية، فيبدو أنه خيار ظالم للمرأة.
ولذلك، الميراث كنظام مالي لا ينفك أبدًا عن النفقة وعن حقوق المرأة المالية.
 المنظومة المتكاملة:
أنا أشرف على رسالة دكتوراه حاليًا، لطالب يقوم بعمل مقارنة بين حقوق المرأة المالية بين النظام الإسلامي والقانون السويدي؛ ليس فقط في الميراث، بل كل حقوق المرأة المالية، منذ أن تولد إلى أن تموت.
وقد كلّفنا نحن في المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث مجموعة من الطلاب الذين يدرسون عندنا في الدائرة البحثية في المجلس، أن يقوموا بعقد مقارنة بين نظام الميراث في الإسلام ونظام الميراث في القانون الفرنسي، والقانون الألماني، والقانون الألباني، وأيضًا القانون الروسي، وحوالي خمس دول أخرى، لكل منها منظومة قانونية مختلفة.
النتيجة كانت مذهلة، على عكس ما يُروّج له من أن نظام الإسلام ظالم، وأن النظام الغربي أو القانوني هو الذي يعطي المرأة كل الحقوق المالية.
فانتهى هؤلاء الشباب، بعد المقارنات، إلى أنه لا توجد حالة واحدة ترث فيها المرأة ضمن هذه المنظومة القانونية، ولا ترث ضمن المنظومة الإسلامية.
بينما في المنظومة الإسلامية، توجد حالات كثيرة ترث فيها المرأة، ولا ترث في المنظومة القانونية.
لقاء مع جمعية نسوية بألمانيا:
ومرّة، جاءتني جمعية نسوية غير مسلمة، وقالوا: “نحن عندنا مجموعة من المشاكل والأسئلة تتعلق بالمرأة في الإسلام.
إذا لم تنجح في الإجابة على هذه الأسئلة، فنحن لسنا فقط غير مستعدين لاعتناق الإسلام أو الدخول فيه، بل نحن لا نتصور أصلًا أن هذا الدين يمكن أن يكون صالحًا لهذا العصر أو لهذا الزمن.”
قلت: ما هي الأسئلة التي عندكم؟
فبدأت تطرح القضايا المعروفة:
  • للذكر مثل حظ الأنثيين
  • مثنى وثلاث ورباع
  • الآية (واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان…) إلى آخره.
  •  موضوع الميراث.
قلت لهنّ: طيب، ما قولكنّ إن نظام الميراث في الإسلام كيت وكيت وكيت وكيت…
فقالت إحداهن – رئيسة المجموعة – :“أنا أتحاكم لمنظومة الإسلام، أكسب لي!” (انظروا التعبير: أكسب لي)
طيب، لماذا تم الترويج للقناعة بأن “للذكر مثل حظ الأنثيين” فيه ظلم، وأن المنظومة الغربية هي التي فيها العدل، وهي التي ستحقّق العدالة؟ وأن المساواة هي التي تحقّق العدل؟ وهذا زيف وكذب.
يعني نحن، حتى في تعاملاتنا اليومية، إذا قمنا بالمساواة بين أولادنا، لا نصل إلى العدل.
ببساطة شديدة: لو كان عندك طفل عمره خمس سنوات، وبنت عمرها عشرون سنة في الجامعة، وولد ثالث في الحضانة،
ثم قلت: “لا، أنا لازم أكون عادل، فأعطيهم مصروفًا متساويًا، كل واحد 5 دولارات.”
هل حققتَ العدل بهذه المساواة؟!هل احتياجات ونفقات البنت التي عمرها 20 سنة في الجامعة مثل احتياجات الطفل الذي عمره 5 سنوات أو 10 سنوات؟!
هل حقّقتَ المساواة هنا؟ العدل لم يتحقق أبدًا.
فإذاً، القضية الأساسية، والإشكال الأول، والأكبر، وأهمّ تحدٍّ نواجهه اليوم، هو:غياب النموذج الإسلامي في ملف الأسرة.
وتكون الحضارة الغربية هي المهيمنة والمسيطرة على نموذج الأسرة، وعلى النموذج الاقتصادي، وعلى النماذج المختلفة.
أنا، عندما آتي – مثلًا – إلى قضية البنوك الإسلامية والمعاملات الإسلامية، نحن أمام منظومة اقتصادية محكومة بنظام رأسمالي قائم على الربا، والمنظومة الإسلامية عكسه تمامًا، في الأساس الذي بُنيت عليه، وفي المقصد، وفي النتيجة، وفي المآل، وفي الهدف، وفي كل شيء.
ثم أنت تريد أن تبني نظامًا إسلاميًا اقتصاديًا…أنا لا أقول هذا من باب هدم فكرة البنوك الإسلامية أو تشويهها.
كلا،لكنني أتساءل:هل يمكن تصوّر بناء أو إيجاد منظومة إسلامية داخل هذه المنظومة المهيمنة والمسيطرة على النظام الاقتصادي العالمي، رغم تضادهم في المقاصد، وفي الغايات، وفي الأهداف، وفي المآلات؟
هذا هو الإشكال الذي ستصطدم به دائمًا إذا أردت أن تقوم بمثل هذه التجارب.
هذا هو التحدي الأول: غياب النموذج الإسلامي في الأسرة
✦ التحدي الثاني: تباين القيم والمرجعية
قيم الأسرة الغربية مختلفة تمامًا عن قيم الأسرة في الإسلام.
مرجعية الأسرة في الإسلام هي مرجعية الوحي من السماء، فالله سبحانه وتعالى هو الذي شرع منظومة الميراث فيما يتعلق بقضية الأسرة، وقال بعدها:﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾[سورة النساء، الآية 13]
وقال:﴿وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ﴾[سورة النساء، الآية 11]
وقال:﴿وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾[سورة الطلاق، الآية 1]
وقال:﴿يَسْتَفْتُونَكَ ۖ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ﴾[سورة النساء، الآية 176]
تخيّل هذا الوعيد الشديد، مرجعيته الوحي من السماء.
أما المنظومة الغربية في ملف الأسرة، فمرجعيتها الإنسان، لذة الإنسان، استمتاع الإنسان.
ولذلك، يمكن أن يتبدل هذا الأمر: فالممنوع اليوم يصير مباحًا غدًا، والمباح يصير ممنوعًا، وهكذا.
مرجعيتنا فيما يتعلق بالأسرة هي مرجعية الوحي.
والقيم أيضًا مختلفة؛ في المنظومة الإسلامية: تقوم على مقاومة النفس في الشهوات.
عندك شهوة؟ عندك حب للمال؟ حب للنساء؟ حب لأي شيء؟
يقول لك: قاوم نفسك، قاوم نفسك.
الصيام: أهم رسالة له، وأهم وظيفة له، أن تتدرّب على مقاومة نفسك،فإذا قاومت نفسك، تحررت من شهواتها، وتحررت من عاداتها، فصرت عبدًا لله تبارك وتعالى.
المنظومة الغربية تقول لك: لا، أطلق العنان! استمتع كما تشاء، حقق اللذة لنفسك بأي صيغة، وبأي طريقة، وبأي شكل أردت، ليس هناك حدود.
تحقيق اللذة وتحصيلها في المنظومة الغربية، مفتوح بلا ضوابط.
لكن في المنظومة الإسلامية، هناك حدود، بمرجعية الوحي، حتى في العلاقة بين الرجل وزوجته.
فالوحي يقول:﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾[سورة البقرة، الآية 223]
ويقول:﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى ۖ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾[سورة البقرة، الآية 222]
مرجعية الوحي تقول: هناك حدود يجب أن تلتزم بها.
أما في المنظومة الغربية، فهذه الحدود مرتفعة ومنفية.
فتباين القيم والمرجعية أحد أهم التحديات المتعلقة بالأسرة في المنظومة الغربية.
كيف يمكن أن أوجد الأسرة المستقرة المستمرة، المحافظة على قيمها، في الجيل الجديد، في ظل هذا التحدي الخطير جدًّا؟
✦ التحدي الثالث: تحدي الإيجاد
يعني: كيف نُوجد الأسرة في الجيل الجديد؟
أنا عندي مشكلة كبيرة جدًّا في الجيل الثاني وما بعده، في:
  • رغبته في بناء الأسرة.
  • حرصه على الزواج.
  • صبره على الأسرة.
  • حرصه على أن يكون له أولاد كثيرون.
أنا إذا حضرتُ محاضرة مع البنات المسلمات من الجيل الجديد، وقلت لهن:“الإسلام يريد – وواجب الوقت الآن – أن تكون عندنا أسرة كبيرة، على الأقل خمسة أولاد، فزيادة.”
يصرخن! كيف تقول هكذا؟! إنه غير ممكن! أنت تقول كلام غير مقبول!”
الآن، هناك تيار صاعد بين فئات مختلفة من الجيل الجديد:
  1. تيار يرفض الزواج أصلًا.
    يقول: “لماذا نتزوج؟ أنا لست بحاجة للزواج. لن أقع في معصية ولا في شيء يغضب الله، فلماذا أتزوج؟”
  2. تيار يقول: نتزوج، لكن لا نُنجب.
    “لماذا ننجب أطفالًا في هذا العالم المتصارع؟ الحروب، الفيروسات، الأمراض، الحياة التعيسة؟ كلا؛ أتزوج فقط لأعف نفسي، وأعف زوجتي، وأعيش معها.”
  3. تيار معتدل عقلاني:
    يقول: “نتزوج، ونُنجب طفلًا واحدًا فقط، حتى نحسن تربيته.”
ويبدأ يفلسف لك القصة…مع أن هذا الكلام غلط!
من يخاف على ضياع الدين عند أولاده، المفروض يُنجب أكثر، لا أقل! لماذا؟
في أحد الإخوة، أنا دائمًا أضرب به المثل – الله يمسيه بالخير – طبيب، عامل، وزوجته طبيبة عاملة، عنده تسعة أولاد.
فجلست أسأله:“أنت كيف أقنعت زوجتك أصلًا تنجب تسعة أولاد؟ وهل حياتكم طبيعية؟ والأولاد؟”
فقال لي، بإجابة مختصرة جدًّا:“حديث النبي ﷺ:(إذا مات ابن آدم، انقطع عمله إلا من ثلاث: ولدٌ صالحٌ يدعو له)،
فأنا إذا أنجبت واحدًا أو اثنين، فرصتي في وجود ولدٍ صالح يدعو لي ضعيفة جدًّا.
لكن كلما أكثرت، كلما زادت فرصتي، فمِن مصلحتي أن أُكثر الأولاد حتى تكون فرصتي في وجود الولد الصالح أعلى وأكبر، من أن أقلّل عدد الأولاد.”
إذا أردنا أن نُلخّص لسان حال من يقود العالم فكريًا في ملف الأسرة، فهو كالتالي:“لا تتزوجوا، فإن تزوجتم فلا تُنجبوا، فإن أنجبتم فلا تُكثروا، فإن أكثرتم فلا تُربّوا.”
المنظومة الإسلامية عكس هذه المنظومة تمامًا:“تزوجوا، وأكثروا، وربّوا، وجاهدوا.”
فكيف يمكن أن نواجه هذا التحدي، تحدي الإيجاد؟أن نُوجد الأسرة أصلًا؟
ونحن إذا أردنا أن نتناول ملف الأسرة ونتحدث فيه، يجب أن نتحدث حديثًا استشرافيًا، توقّعيًا، لا حديثًا في إطار اللحظة فقط.
يعني، لا تنظر إلى الجيل الأول وتقول: “الحمد لله، الناس متزوجة، وعندها أسر، وعندها أولاد.”
التحدي الحقيقي: أن تنظر في أولادك، وأن تنظر في أحفادك:هل سيحرصون على بناء الأسرة؟هل سيحرصون على إيجادها، والصبر عليها، والتعاطي معها والتعامل معها؟ أم لا؟
✦ فيما يتعلق بالتأثّر بالنموذج الغربي:
أود أن أذكر لكم شيئًا لطيفًا ومهمًّا جدًّا، من خلال حواراتي مع الشباب: الشباب يقولون لي:(تأمل النظرة المادية الغربية للأشياء).
الشاب يقول لي:“طيب، أنا ماذا سأكسب لما أتزوج؟
 لما أتزوج، سأدفع نفقات كثيرة جدًّا، فمطلوب مني أني أدفع مهر، ومقدّم، ومؤخّر، وحفلة، وزواج، وأُؤسس بيت وسكن،وتنتقل إليّ البنت التي أصبحت زوجتي، وأنفق عليها،ولما أرزق بأولاد، وإذا طلّقت، ستأخذ مني نفقة، وتأخذ أموالًا.
طيب، أنا ماذا استفدت من كل هذا؟ المتعة الجنسية؟! هذه متعة محدودة، ووقتها قليل جدًّا، ثم هي أيضًا تستمتع، ثم قال لي:
“أنا شايف إن نظام الإسلام ظالم في موضوع الأسرة.”
فقلت: لماذا نظر هذه النظرة؟ ولماذا تكلّم بهذا الكلام؟
لأنه حسبها حسبة مادية،لم يحسبها الحسبة الأخروية، الحسبة الإسلامية، الحسبة الإيمانية.
لم يقرأ ملف الأسرة وفق المنهج الإسلامي.
✦ كلمات من نور قالها الشيخ محمد الغزالي رحمه الله:
قال – ولا شك أنه استقاها من فهمه للقرآن الكريم –:“بناء الأسرة دين،وحمايتها من الأخطار التي تُهددها جزء من شعائر الله،
وجهاد في سبيل الله،ورعاية ثمراتها – بنين وبنات – جزء من شعائر الله، وجهاد في سبيل الله.”
تخيّل، لو استشعرت أن:
  • عندما تبني الأسرة،
  • وعندما ترعى الأولاد،
  • وعندما تخرج للعمل،
  • وتبذل من جهدك،
  • وتتعب حتى تكسب وتنفق على أولادك،
فأنت بذلك تُقيم الدين، وتحرس شعائر الدين، وتجاهد في سبيل الله.
حتى اللقمة التي يرفعها الرجل إلى فم امرأته، له بها أجر، كأنها صدقة في سبيل الله.
المرأة التي تقف في مطبخها، وتجاهد مع أولادها، وتُعلّمهم الدروس،
هي في دين، وحماية، وحراسة للشعائر، وجهاد، ورباط في سبيل الله.
البُعد الأخروي، والنظر إلى الآخرة، هو الذي يجعلك تصبر على أي تعب أو مشقة تتعلق بملف الأسرة.
أما النظرة المادية، فستجعل الشاب يقول:“طيب، وأنا ماذا استفدت من كل هذه النفقات؟
أنا ما عندي استعداد أدفع كل هذا في مشروع يتعامل مع ملف الأسرة تعامُلًا ماديًّا، كأنّي أُؤسس شركة! وهذا هو الفكر الغربي.
لكن الرؤية الإسلامية مختلفة تمامًا عن هذه الرؤية.
✦ التحدي الرابع: تحدي الاستمرار والاستقرار
بمعنى: الاستمرار والاستقرار، أي استمرار الأسرة واستقرارها.
كيف يمكن أن نُوجد الأسرة المستقرة المستمرة؟ كيف يمكن أن نُوجد هذه الأسرة؟
هذا تحدٍّ كبير جدًّا، في ظل ارتفاع نسب الطلاق، الذي أتكلم عنه الآن.
أود أن ألفت نظركم إلى نموذج مهم جدًّا في القرآن الكريم، وهو في سورة المجادلة.
نحن كلنا نعرف أن سورة المجادلة سُميت باسم المجادَلة أو المجادِلة.
 المجادِلة هي السيدة خولة بنت ثعلبة، التي جاءت إلى النبي ﷺ تُجادله في أمر الظهار، وكانت سببًا في تشريع الظهار.
الذي يبدو لي – والله أعلم – أن الله سبحانه وتعالى خلّد ذِكر هذه المرأة في القرآن الكريم، وسمّى السورة باسمها أو باسم الموقف الذي فعلته مع النبي ﷺ، وهو المجادلة والمحاورة، حتى تعود إلى زوجها، ليُقدّمها كنموذج لحراسة الأسرة وحمايتها.
أنا جلست أقرأ في تفاصيل زوجها وسيرته وأخلاقه، فوجدت أنه رجل لا يوجد فيه سبب واحد يدعو هذه المرأة أن تستمر معه كزوج لها.
ليس عنده سبب واحد:
  • فقير
  • كبير في السن
  • عصبي
  • سيئ الخلق
  • غير قادر على الكسب
  • غير ملتزم دينيًّا
يعني، هي تقول: أول ما قال لها:“أنتِ عليّ كظهر أمي”، فامتنعت عنه، لأنها خافت من ربها سبحانه وتعالى.
أما هو، فلم يبالِ، وأراد أن يُوقعها.
قالت: فدفعته عني بأقوى ما تدفع به امرأة عن رجل.
لاحظوا كيف كان يُفكّر، وهي كيف كانت تُفكّر!
ومع ذلك، تأتي للنبي ﷺ، وتقول له:“يا رسول الله، ابحث لي عن حل.”
قال لها:“لا أرى إلا أنك قد حُرّمت عليه.”
قالت:“كيف؟! لا، تقصد لا بد لي من حل، إن لي صبية صغارًا، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا!
لازم نتكامل، رغم عيوبه، ورغم كل ما عنده من مشكلات، لازم أستمر معه، لازم نحافظ على البيت، لازم نحافظ على الأسرة.”
فتخيل أن هذا النموذج، الذي لا يوجد فيه سبب واحد من أسباب البقاء، ورغم ذلك، هي حريصة على أن تبقى معه، وأن تحافظ على أسرتها.
قارن هذا النموذج بما تفعله النساء اليوم!
(طبعًا أنا أقول “النساء”، لأننا نتكلم عن خولة بنت ثعلبة، لكن أيضًا هناك رجال كذلك يتعجلون في هدم الأسرة وتحطيمها دون أسباب حقيقية ومنطقية).
والله، الأسباب التي تُصرّ فيها المرأة اليوم على الانفصال عن زوجها أسباب مضحكة، لا ترضي الله سبحانه وتعالى.
امرأة تأتي مُصرّة على الانفصال، أقول لها:“لماذا؟ ما الداعي؟”
تقول:“والله، لم نسافر لأي مكان للفسحة هذه السنة، ولا قضينا العطلة الصيفية بأي مكان.
يقول لها:“والله، كنت مشغول. سامحيني، كنت أُعدّ للدكتوراه، وسأعوّضك إن شاء الله، سأُكفّر عن هذه السنة بعُطلتين متتابعتين، ما تزعلي.”
لكنها تقول:“لا، أبدًا! أنا لا يمكن أستمر معك.”
هل هذا سبب؟هل هذا سبب للتمسك بالانفصال؟وللتمسك بهدم الأسرة؟!
طيب، أقول لها:“عشان الأولاد!”
تقول:“يعني أنا أعيش حياة تعيسة من أجل الأولاد؟! 
وهذه امرأة ملتزمة، مسلمة، متحجبة، من أهل المساجد، بهذه البساطة تريد أن تهدم الأسرة؟!
قضية “تحدي الاستمرار والاستقرار” هي تحدٍّ كبير جدًّا؛ كيف يمكن أن نحافظ على الأسرة القائمة؟
عندي أسر لم تُنشأ بالنسبة للأجيال الجديدة، أريد أن أُوجدها.
وعندي أسر قائمة وموجودة، أريد أن أحرسها، حتى تستمر، وحتى تبقى موجودة وقائمة.
نحن نريد أن نُحيي في الأمة نماذج مثل نموذج خولة بنت ثعلبة؛ الحريصة على استقرار الأسرة واستمرارها، والصابرة على تعبها ومشاقها إن وجدت.
يعني، أنا لا أعتقد أننا يمكن أن نجد اليوم نموذجًا شبيهًا بزوج خولة بنت ثعلبة، هذا الذي اجتمعت فيه:
  • سوء الخلق
  • الفقر
  • الكبر في السن
  • العصبية
  • عدم القدرة على الكسب
  • ضعف الالتزام الديني
صعب جدًّا أن تجد شخصية اجتمعت فيها كل هذه الصفات، ومع ذلك، المرأة حريصة على أن تبقى مع زوجها!
أين هذا النموذج اليوم؟!
إن الذي دفع خولة إلى هذا السلوك هو:
  • فهمها لفكرة الأسرة
  • أهميّة الأسرة
  • نظرها إلى الأجر الأخروي
الكلام الذي قاله الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – يفسّر هذا:“إنها كانت تدرك أن هذا الصبر من الدين،وأنها بهذا تجاهد في سبيل الله،وأنها بهذا تحرس شعائر الله سبحانه وتعالى.”
لذلك، كانت مستشعرة المعنى العالي، وحريصة على أن تحافظ على أسرتها.
فينبغي على كل رجل أن يُدرك: أن أيّ صبرٍ يصبره على زوجته وأولاده من أجل حماية أسرته، فهو مأجور عليه عند الله سبحانه وتعالى.
وكذلك، أي امرأة تصبر على مشقة زوجها وأولادها، فهي مأجورة على هذا عند الله سبحانه وتعالى.
✦ التحدي الخامس: تحدي النسوية وأثرها، خاصة على بناتنا المسلمات في أوروبا
تيار النسوية تيار وُجد لأسباب منطقية جدًا، وهو أن هناك ظلمًا واقعًا على المرأة.
هل هناك ظلم واقع على المرأة؟ نعم، هناك ظلم واقع على المرأة.
بل هناك ظلم واقع عليها في المجتمعات المسلمة، ومن المسلمين أنفسهم في هذه المجتمعات.
هناك دراسات تتحدث عن أن تيار النسوية ينتشر أكثر في البلدان المسلمة، مثل اليمن، حيث ينتشر تيار النسوية في المجتمع بقدر ما تُظلَم المرأة فيه.
بعض البنات المسلمات في الغرب انضممن إلى الجمعيات الحقوقية النسائية التي تتبنى تيار النسوية.
فجلستُ مع بعضهنّ، وسألتُ:“ما الذي يدفعكن إلى هذا الأمر؟”
قالت إحداهن:“ما رأيته من ظلم لأمي في البيت، من أبي… أنا رأيتُ أن أمي مظلومة، تُضرب، تُهان… فأردتُ أن ألتحق بأي جهة حتى أرفع الظلم عن غيري.”
 وأنا كنتُ قد تحدّثتُ عن عزوف الشباب عن الزواج.
بعض الشباب، بل والبنات، يعزفون عن الزواج، ويزهدون فيه، وينفرون من الأسرة،لأنهم لا يرون نموذجًا ناجحًا أمامهم.
حضرتُ جلسة مع أسرة، كل الأولاد فيها بلا استثناء يرفضون الزواج.
جلستُ معهم، وقلت:“لماذا ترفضون الزواج؟ الآن هو وقت الزواج!”
فقالوا:“نحن لم نرَ أبا وأمًّا سعيدين في زواجهما أو في حياتهما؛ لا نريد أن نُكرّر هذا النموذج، ونحن سعداء ومستريحون بحياتنا كما هي…حياتنا هادئة، لطيفة، مستقرة.”
أحد الإخوة يحكي لي أن ابنته – ما شاء الله – ممتازة جدًّا:
  • متحجبة
  • متعلمة
  • متكوّنة
  • عندها عمل
  • عندها دخل
  • عندها سيارتها
  • حياتها تمام التمام
قلت له:“ما الذي ينقصها؟!”
قال:“ينقصها أن تتزوج.”
قلت له:“طيب، لماذا لا تتزوج؟!”
قال:“تقول لي: أنا سعيدة بحياتي هكذا.
عندها مجتمعها، عندها صاحباتها، مسلمات أيضًا، متحجبات،يخرجن في أوقات العطلة،وفي أوقات الصفاء، يشربن القهوة، يأكلن، يتسامرن،والحياة جميلة جدًّا! لماذا أُدخل شخصًا غريبًا عليّ وأنا مستريحة هكذا؟هذا لسان حال كثير من الشابات اليوم.
الشباب المسلم اليوم، عندما نتحدث معهم ونقول: “نحن نريد أن تتزوجوا.” أو: “لماذا لا تتزوجون أيها الشباب؟”،
يقول لي:“طيب، قل لي: أين البنت الصالحة للزواج؟ الحريصة على بناء الأسرة، الحريصة على إنجاب الأولاد، وهذا الكلام الجميل أين هي؟ لا أكاد أجدها.”
الكل متأثر بتيار النسوية.
وهناك من تطرّف في الإيمان بعقائد التيار النسوي.
تطرّف بمعنى: أن بعض البنات أصبحن يكرهن الرجال، وبات عندهن عداوة للرجل!
النتيجة: لا نريد الرجل زوجًا فحسب، بل لا نريده أصلًا في حياتنا.
نحن الآن أمام إشكال كبير جدًّا،ويجب أن نبحث ونتدارس هذه التحديات.
كل تحدٍّ من هذه التحديات يحتاج إلى:
  • محاضرات
  • وأحاديث
  • ونقاشات في كيفية التعاطي والتعامل مع آثاره
  • وكيف يمكن أن نتجاوز هذه التحديات
  • حتى نُوجِد الأسرة التي ينشدها الإسلام
نحن إلى الآن، كل هذا الحديث، حتى نصل إلى:كيف نُوجد الأسرة، ونحمي الأسرة التي ينشدها الإسلام؟
✦ التحدي السادس: غياب القيود الاجتماعية والحراسة المجتمعية
المجتمع المسلم كان عنده عادات وتقاليد،ورغم أن بعضها خطأ ومخالف للإسلام،لكن هذه العادات كانت تُساهم – بشكل مباشر أو غير مباشر – في حماية الأسرة.
مثال:
  • المجتمع يضغط على الشاب حتى يتزوج.
  • يضغط على البنت حتى تتزوج في سنٍّ معيّن لا تتجاوزه.
  • المجتمع كان يُحرِج من تأخّر في الزواج.
  • الجيران والأقارب يسألون، بل يُلِحّون:“لماذا لم تتزوج بعد؟”“لماذا لم تُنجِب؟ نريد أن نرى أولادك…”
هذه العادات والتقاليد غير موجودة في هذا المجتمع الغربي.
بل غريب أن تتكلّم مع فتاة عن “العنوسة”، أو أن تقول لها: “سنّك تأخر في الزواج”.
هي لا ترى أبدًا أن الوصول إلى الأربعين دون زواج مشكلة، ولا ترى أن عدم الزواج مطلقًا مشكلة أصلًا! أنت تراها مشكلة، هي لا تراها كذلك.
لماذا؟ لأن عادات المجتمع مختلفة ومتغيرة تمامًا عن عادات وتقاليد المجتمع المسلم.
✦ لفت نظري في قصة سيدنا يوسف عليه السلام:
الإمام ابن القيم – رحمه الله – عندما تحدّث عن دواعي الفتنة في قصة يوسف عليه السلام، قال:
  • كان أعزبا
  • وكان شابًا
  • والمرأة هي التي دعته إلى نفسها
  • وكانت ذات جمال، وذات منصب
  • وهدّدته
ثم أضاف من بين دواعي الفتنة:
أنه كان غريبًا! يعني: غريب في المجتمع، لا أحد يعرفه فيه.
وبالتالي، لن يُلام أو يُعاب عليه إذا فعل شيئًا مخالفًا للدين، أو مخالفًا لثقافة الناس؛لأنه لا أحد يراه، ولا أحد يلومه.
أنا لاحظت أن عددًا من النساء اللواتي هاجرن مؤخرًا إلى ألمانيا من بلدان عربية مختلفة، تجرأن على:
  • الانفصال
  • الطلاق
  • خلع الحجاب
  • فعل أشياء ما كان لهنّ أن يفعلنها لو كنّ في بلدهن الأصلي
سألت بعضهن:“لماذا؟”
قلن:“أصلًا، في البلد، المجتمع، الجيران، الأقارب كانوا عاملين علينا قيودًا وضغوطًا.
الآن، الحمد لله، ما عندي هذه القيود، والدولة تدعمني، وستعطيني أموالًا أكثر من التي كان يعطيني إياها زوجي، فلماذا لا أنفصل؟  ولماذا لا أطلب الطلاق؟!”
هذا أيضًا تحدٍّ من التحديات الكبيرة في ملف الأسرة.
التحدي السابع: القلق النفسي الناتج عن الازدواجية في التربية ومنظومة القيم،
وصراع الدين والمجتمع والقانون والعادات والتقاليد.
الناس اليوم تشعر بالقلق والخوف، وعدم الاستقرار، وعدم الراحة في أي مكان، ولا يعرفون ماذا يفعلون؟!
 والناس في أي مكان عندها نوع من الخوف، وتتساءل بصورة دائمة:
  • ماذا أفعل؟
  • هل أبقى هنا؟
  • هل أهاجر؟
  • هل حياتي هنا خطأ أم صواب؟
  • هل أنا مسؤول إذا ضاع ديني وضاع دين أولادي؟
  • هل أنا مذنب؟ هل أنا محاسب؟…أسئلة كثيرة جدًا.
هذا القلق، وهذه الازدواجية بين:
  • القانون،
  • والمنظومة الغربية،
  • والمنظومة الإسلامية،
  • وحتى بين الأب والأم،
  • وبين المدرسة والمجتمع،
كلها تسبب حالة من الاضطراب النفسي.
أنت تأمر أولادك في البيت بشيء، وفي المدرسة يُعلَّمون عكس هذا الشيء،وفي المجتمع يُشاهدون عكس هذا الشيء تمامًا.
فكيف يمكن أن تنشأ هذه الشخصية؟وكيف يمكن أن تتعامل مع الإشكالات النفسية المترتبة على هذا التناقض؟
كنت في المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية في باريس،ولاحظت أن بعض البنات غير المتحجبات يدرسن العلوم الشرعية في هذا المعهد.
أنا طبعًا لست ضد هذا، بل بالعكس: وجود بنات غير متحجبات في المعهد كسب مهم جدًا، ونجاح للمؤسسة.
وحتى وجود نساء غير مسلمات فرنسيات يدرسن في المعهد هو كسب كبير ونجاح إضافي.
لكنني كنت أريد أن أفهم السبب أو الظاهرة.
فسألت بعض الأساتذة الموجودين، فقالوا:“الحقيقة، كثير من البنات المسلمات في فرنسا، مع وجود القانون الذي يمنع المسلمة من التعليم بالحجاب،
هذه المسلمة تعاني صراعًا نفسيًّا داخليًّا،عندما تخلع الحجاب داخل الجامعة أو داخل المدرسة، ثم تلبسه إذا خرجت.”
تخلع، تلبس، تخلع…تشعر بنوع من القلق، والازدواجية، والتعب النفسي.
فقالت إحداهن:“خلاص، أنا أخلع الحجاب، وأظل متصالحة مع نفسي بصورة دائمة.”
طبعًا، هذا كلام خاطئ، لكن هكذا انتهت بعض البنات المسلمات إلى هذه النتيجة.
✦ التحدي الثامن: تحدي الميديا والشبكات
الشبكات لها تأثيرات سلبية كثيرة جدًا،ومن أهم تأثيراتها وتفاعلاتها: التأثيرات المتعلقة بـ:
  • الأسرة،
  • وحالات الطلاق،
  • وارتفاع نسب الطلاق.
وما أُسميه: ظاهرة “التخبيب الأسري”.
لأنه أصبح هناك:
  • حالة من الجرأة من المرأة تجاه زوجها،
  • والجرأة من الزوج تجاه المرأة،
  • ومن الرجل تجاه المرأة الأجنبية،
  • والحديث بين الرجال والنساء في الرسائل والمنصات…
الرجل يكتب كلامًا لامرأة لا يستطيع أن ينطق به وجهًا لوجه،والمرأة كذلك.
الإشكال الكبير في الميديا:
  • نقل الأفكار،
  • تداول القناعات،
  • تحويل اليقيني إلى لا يقيني.
أنت اليوم في عالم الشبكات والميديا:
  • يمكن أن تطرح أي فكرة،
  • مهما كانت شاذة، أو بعيدة عن المنطق والعقل،
  • ستجد لها أنصارًا ومؤيدين،
  • وستجد من يقول لك:“والله، كلامك منطقي جدًّا، وأقنعني جدًّا”،رغم أن الكلام لا معنى له أصلًا!
أطلق أي شائعة!مثلًا: شائعة “البقرات التي دخلت غزة”!(أنا، في الحقيقة، مندهش جدًا!)
قالوا: لما قامت الحرائق في “إسرائيل”، هربت البقرات ودخلت إلى غزة،وقالوا: “الحمد لله الذي أطعمهم من جوع”وقالوا: “هذه آية من آيات الله، ومعجزة!”شيء عجيب جدًا!
أناس عقلاء، وصفحات لأشخاص محترمين جدًا، لم يمرروا الخبر حتى على عقولهم، أو يحاولوا أن يستوثقوا منه!
يعني، الاحتلال الذي يمنع الغذاء والماء والدواء، هل سيسمح بدخول البقرات؟!هل هذا كلام يدخل العقل؟!
لا، ويقولون لك: ” شوف المعجزة!”
الميديا اليوم، في الحقيقة، تأثيراتها السلبية على الأسرة مخيفة ومرعبة، وتحتاج إلى وقفات طويلة جدًّا.
العدو الأكبر اليوم للسلوك الديني، والالتزام الديني: هو الشبكات.
خذ مثالًا: ظاهرة “الخرس الزوجي”.
الخرس الزوجي: أن الزوج لم يعد يتحاور مع زوجته في البيت.
حتى وهم جالسون على الطعام، كل واحد منهم ممسك بهاتفه!
في أثناء الطعام، في أثناء الأكل، الكل مشغول.
حتى لو تكلّم أحدهم، لا يُنتبه إليه.
بعض الزوجات تقول لي:“أنا مش عارفة أعمل إيه مع زوجي؛ أحيانًا يوافق على شيء وهو غير منتبه، لانشغاله بالهاتف.
ثم أرجع وأقول له:(أنت وافقت)،
فيقول لي:(أنا؟ لا، ما وافقتش!)
فأقول له: (والله قلت لي كذا)،
فيقول: (أنا ما كنتش منتبه أصلًا!)”
بعض النساء يشكون إليّ:“زوجي يدخل الحمّام – أعزّكم الله – بالساعات، علشان يخلو بهاتفه!”هذا إشكال كبير جدًّا.
الحوار بين الزوج والزوجة انقطع بسبب الشبكات، وهذه مشكلة كبيرة جدًّا، وتحدٍّ من التحديات المتصاعدة والمتنامية،
ويجب على الأسرة العاقلة أن يكون لها وقفات مع هذا الأمر.
لذلك، أنا أدعو إلى أن يكون هناك “يوم للأسرة”.
يوم اسمه: “يوم الأسرة”،لا نفعل فيه أي شيء، ولا أي برامج،سوى أن نغلق الهواتف، ونعتبرها غير موجودة،ونجلس لنتكلم مع بعض، ونتعرّف على بعض!
واحد من الظرفاء يقول:“الكهرباء أو النت انقطع عن البيت، فجلست مع عائلتي، تعرفت عليهم! طلعوا ناس طيبين جدًا!
أول مرة أتعرف عليهم، ما كنت أعرفهم، لأنهم لا يتكلمون مع بعضهم!”نُكتة مضحكة، لكنها حقيقة تجسّد الواقع الذي نعيشه الآن!
✦ التحدي التاسع: سيطرة الأشياء والماديات على القيم والمعاني
وهذا المعنى لفت إليه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه،حين جاءه رجل وقال:“أريد أن أطلّق زوجتي.”
فقال له:“لِمَ تريد أن تطلّقها؟”
قال:“لا أحبها.”
قال له عمر:“وهل تُبنى البيوت فقط على الحب؟! فأين الرعاية؟ وأين التذمّم؟!”
والتذمُّم: هو الوفاء بالذمّة والعهود والواجبات الأخلاقية، وهو مأخوذ من “الذمّة”، أي المسؤولية أو الالتزام الذي يَدين به الإنسان لغيره.
أليست بينكم عشرة؟
أليس بينكم معروف؟
أليس بينكم أولاد؟
أليست هناك سنوات وذكريات وأيام طيبة؟”
أين هذه الذكريات؟!
أين هذه العشرة؟!
أين الرعاية؟!
أين التذمّم؟!
أحيانًا تأتي المرأة وكأنها ما رأت يومًا سعيدًا، ولا موقفًا طيبًا من زوجها!
عاشت معه عشرين سنة! كيف أنجبت منه خمسة أطفال؟! وكذلك الرجل، يفعل أشياء عجيبة جدًا!
فهذا أيضًا من التحديات:
  • التعامل المادي مع كل ما يتعلق بشأن الأسرة،
  • غياب المعاني،
  • غياب القيم.
✦ التحدي العاشر: ضعف أو غياب التقوى والخوف من الله سبحانه وتعالى.
سورة الطلاق – التي أشرنا إليها سابقًا – تجيب عن سؤال:كيف نحمي البيوت من الطلاق؟
الجواب: التقوى.
السورة، على قِصَرها، تتكرر فيها التقوى كم مرة؟
  • ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾
  • ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾
  • ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾
  • ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا﴾[سورة الطلاق، الآيات: 2-5]
سبحان الله!أربع مرّات ترد فيها أمر التقوى في سورة واحدة فقط.
طيب، ما معنى التقوى؟التقوى تعني: أن تقف عند حدود الله؛ قال الله:﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾[سورة الطلاق، الآية 1]
وقال:﴿إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾[سورة البقرة، الآية 229]
يعني:إذا أراد الزوجان أن يقيما حدود الله في علاقتهما،فذلك باب الأمان والاستقرار للأسرة.
“حدود الله”… هذا المصطلح – في 90% من مرات وروده في القرآن الكريم – جاء في ملف الأسرة، في موضوع الأسرة تحديدًا.
يعني، الزوج الذي يُقرر أن يهدم أسرته، أو الزوجة التي تُقرر أن تهدم أسرتها، يجب أن تسأل نفسها مئة مرة:“هل هذا القرار وقوف عند حدود الله؟هل بهذا القرار أُجسّد تقوى الله سبحانه وتعالى؟هل أراقب الله سبحانه وتعالى؟”
والله، إني أرى صورًا ومشاهد لا علاقة لها بتقوى الله، ولا علاقة لها بالوقوف عند حدود الله.
❖ امرأة حافظة للقرآن، مُجازة، من أهل المساجد، انفصلت عن زوجها، ثم تمنعه من رؤية أولاده!
ثم المحكمة حكمت له بأن يرى أولاده ساعة في الأسبوع، لكن هي التي تحدد هذه الساعة وتختارها!”
 متى الساعة التي اختارت ؟ وقت صلاة الجمعة!
يعني تخيّل، تُخيّره بين:
  • أن يترك صلاة الجمعة المفروضة،
  • أو أن يرى أولاده.
أين ما غرسه فيها القرآن الكريم؟!
❖ وحتى لا نظلم، ليس النساء فقط. بل الرجال كذلك!
❖ رجل يترك العمل، ويُقدّم وثائق مزورة للمحكمة، حتى يُثبت أنه ليس عنده دخل، كي يَتهرب من النفقة على زوجته وأولاده.
ويُكره زوجته على أن تعمل – وهي لا تستطيع – حتى تُنفق على أولاده، مع أنه عنده أموال، وقادر على العمل.
كل ذلك فقط كي يتهرب من النفقة التي فرضها الله عليه.
هل هذا يتّقي الله؟! وكل هؤلاء:
  • من أهل المساجد،
  • المصلين،
  • الملتزمين ظاهريًا.
لكن تأمل المرأة الوقّافة عند حدود الله، التي تخاف الله سبحانه وتعالى.
 جاءتني امرأة – وإن كان هذا يحدث قليلًا للأسف – قالت:“أنا طلّقت من زوجي،والمحكمة الألمانية حكمت لي بنصف ثروته،
لكني أريد أن أعرف حقي الشرعي في المال، حتى أُعيد له ما لا حق لي فيه.”وكان المبلغ كبيرًا جدًّا.
فقلت لها:“تحقّق لكِ:
  • نفقة العدة،
  • ونفقة المتعة،
  • ومؤخر الصداق،
  • ونفقة الأولاد،
    وهذه حقوقك.”
قالت:“إذاً، يكون الباقي من المال ليس من حقي.”
ثم قالت: “هذا المبلغ سأُعيده إليه، لأنه ليس لي فيه حق.”
لماذا فعلت ذلك؟
  • التقوى
  • الخوف من الله
✦ التحدي الحادي عشر: غياب القيم الإسلامية المتعلقة بالأسرة
ونحن إذا أردنا أن نجيب إجابة مختصرة عن كيفية تجاوز كل هذه التحديات، أحتاج أن أعود إلى محاضرة للدكتور روجيه جارودي، المفكر والفيلسوف الفرنسي المعروف، في محاضرة ألقاها في جامعة القاهرة سنة 1983.
قال:“الحضارة الغربية تموت.”
سألوه: لماذا؟
قال:“لأنها تفتقر إلى الغايات.”
ما معنى تفتقر إلى الغايات؟ يعني:
  • تعتني باليوم الحاضر،وتنسى اليوم الآخر.
  • لا تعرف شيئًا اسمه الآخرة،تركّز فقط على الحاضر.
أما نحن، فالكلام الذي قلناه ونقوله طوال الوقت:
  • التقوى: نظر إلى الآخرة
  • حدود الله: نظر إلى الآخرة
  • الاحتساب: نظر إلى الآخرة
نحن لا يمكن أن نحرص على بناء الأسرة، وحراسة القيم، إلا إذا استعدنا هذا المفهوم:
مفهوم الاحتساب، والنظر إلى الآخرة.
هو الذي يدفع الشاب إلى الزواج،
هو الذي يدفع الفتاة إلى الزواج،
هو الذي يدفع الفتاة إلى الإنجاب، والتضحية، ومكابدة تربية الأولاد،
والصبر على أعباء الأسرة.
كل ذلك لن يتحقّق إلا بالنظر إلى الآخرة، واستدعاء مفهوم الاحتساب.
الخاتمة:
كل تحدٍّ من هذه التحديات، يحتاج إلى حديث مستقل.
موضوع الهاتف والشبكات وخطر الميديا، من أخطر الأمور اليوم التي تُشكّل خطرًا على:
  • العقل،
  • القلب والروح،
  • والأسرة أيضًا.
تجاوز هذا الأمر لا يكون إلا بـ:
  1. التثقيف والتوعية،
  2. البرامج المستمرة،
لكن في مقدمة هذه الوسائل، ينبغي أن يكون:
  • الأب قدوة،
  • والأم قدوة لأولادهم،
    في الاقتصاد في الوقت الذي يُنفق في استخدام الهاتف والشبكات.
وينبغي أيضًا أن يكون في البيت وقت كافٍ للحوار المفتوح،في أي قضية، وفي أي موضوع، حتى لا نصل إلى العزلة الأسرية،
حيث يعيش كل فرد في عالمه الخاص،ويتفاجأ الأب بالنتائج في النهاية،ويقف عندها دون أن يعلم شيئًا عمّا حدث قبلها.
ولعلّه كان يستطيع أن يتدخل ويعالج،لو أراد، أو لو عَلِم، أو لو لم يكن غافلًا بسبب هذه الحواجز.
✦ باختصار – لأن المقام لا يتسع – هناك أهم خطوتين للخروج من هذه الإشكالية:
أولًا: التفكيك الفكري لهذا المشروع وهذه الأفكار المطروحة.
لأن الأفكار المطروحة اليوم ظاهرها مقنع جدًا لأولادنا وبناتنا،وللبنات خاصة، أفكار التيار النسوي تبدو منطقية جدًا من حيث الشكل.
الحل: أن نفكك هذه الأفكار خطوة بخطوة.
وهناك كتب مهمة جدًّا في هذا الموضوع، منها:
  • كتب الشيخ عصام البشير المراكشي (له كتابان أو ثلاثة في هذا المجال).
  • الدكتور سامي العامري، له أيضًا كتاب مهم حول هذا الموضوع.
هذه مراجع يُرجع إليها الأب، والأم، والإمام، والداعية.
ويُنصح بتنظيم دورات:
  • للأئمة،
  • وللفتيات،
  • وللشباب،
  • وللأمهات،
    حول كيفية تفكيك الأفكار المرتبطة بهذا التيار النسوي.
أنا شخصيًّا أقوم بعمل دورات للفتيات والشابات في مجتمعنا الألماني حول هذا الموضوع تحديدًا.
ثانيًا: النقطة العملية الواقعية.
يجب تجنب أن ترى الفتاة المسلمة في بيتها نموذجًا يحفزها على الاقتناع بطرح هذا التيار.
ما هو هذا النموذج؟
  • أن ترى المرأة مظلومة، أو مقهورة، أو مهانة، أو مضروبة.
فمثل هذا النموذج يدفع البنت مباشرة إلى القول:“نعم، هؤلاء (النسويات) معهن حق!”
ولذلك، قلت سابقًا:“مبررات وجود التيار النسوي صحيحة من حيث الأصل،لأن هناك ظلمًا واقعًا على المرأة.”
وهذا الظلم:
  • واقع من الإسلاميين،
  • وواقع من الحداثيين،
  • وواقع من الليبراليين،
  • وواقع من المتشددين والمغالين.
المرأة ظُلمت من الجميع.
لكن:
  • ظُلمت من تيار الحداثة والليبرالية والانفتاح أكثر مما ظُلمت من تيار الغلو والتشدد.
الحل؟ كيف نُنصف المرأة؟
  • بـ الاعتدال والوسطية،
  • لأننا أمة الوسط.
هذان النقطتان – الفكري والعملي – هما أهم ما يمكن أن يُخرجنا من هذه الإشكالية،والله أعلم.
الموازنة والمقاربة ممكنة:
يعني مثلًا، خذ ملف الأسرة، أو ملف غزة، أو أي ملف من الملفات، تجد دائمًا:
  • الالتزام الديني، أو ما يفرضه الدين،يتعارض أحيانًا مع ما يفرضه القانون والسياسة.
مثلًا:
  • القانون والسياسة في كثير من الأحيان تتخذ موقفًا داعمًا للظلم، والاحتلال، والقتل،
  • بينما الانحياز للقيم الإسلامية والمنظومة الإسلامية يفرض عليك أن تقاوم الظلم، وأن تقف مع العدل، وأن تنصر المستضعفين.
فهل الصدام حتمي؟ هل هو ضروري دائمًا؟ كلا.
هناك مساحة يمكن أن نتحرك فيها،ويمكن أن نُحدث فيها مقاربة واعية،نوازن فيها بين الالتزام بالمبادئ،وبين المرونة في الوسائل،دون أن نتنازل عن الثوابت.
فمثلًا، فيما يتعلق بالجانب الإنساني عمومًا، نجد أن:
  • جميع القوانين تدعمه وتكفله،
  • وما يتعلق بالوقوف إلى جانب المستضعفين والمظلومين، ودعمهم، وإغاثتهم، ونصرتهم،
  • فكل القوانين – بل والمواثيق الدولية – تُجيز هذا وتقف معه.
بل إننا نرى أحيانًا بعض الأوروبيين يقدّمون مواقف إنسانية إيجابية أفضل من بعض المسلمين،لأن الجانب الإنساني تحرّك فيهم، لا أكثر.
لذلك، عندك مساحة تستطيع أن تتحرك فيها.
ويجب على المسلم أن يتحلّى بأعلى وأقصى درجات الحكمة.
✦ ما يتعلق بملف الأسرة مثلًا:
كل التحديات التي ذكرتها سابقًا – وكل تحدٍ منها – له حل واقعي، لأن:
  • القانون لا يمنعك أبدًا من:
    • تحصين أولادك،
    • الحديث معهم،
    • حمايتهم من أي أفكار تتعارض مع الإسلام وقيمه وأصوله وثوابته.
لا أحد يمنعك من هذا.
عندك مساحات من الحرية تستطيع أن تتحرك فيها،
ويمكنك من خلالها أن تعين أولادك، وتحمي أسرتك.
بل أنا أقول دائمًا:“كل إشكال يُهدد الأسرة، أو يُشكل خطرًا على الدين في الغرب، له أداة أو أسلوب من أساليب التدافع والتعامل معه.”
لكن لو كنتَ تواجه نفس الإشكالية في بلد عربي مسلم، فلن تجد وسيلة ولا أداة للتدافع معها أو التعاطي معها.
بكل أسف، المساحة الممنوحة لك – رغم التضييق في الغرب – ليست متاحة في كثير من البلاد العربية، أليس كذلك؟
✦ إذًا: عندك مساحة تستطيع أن تتحرك فيها الآن.
لكن، ما هو الدافع الأساسي لوجود القوانين المُقيّدة للحريات الدينية للمسلمين – سواء في ملف الأسرة أو غيره؟
الجواب: القانون والسياسة.
فهل يمكن للمسلم أن يشارك في هذا المسار السياسي؟
نعم، يمكنه أن يشارك، بل يجب عليه أن يشارك.
يستطيع المسلم أن يشارك في كل استحقاق انتخابي وسياسي.
✦ تكتّل المسلمين واتحادهم ووعيهم ومشاركتهم السياسية:
  • يُمكن أن يحميهم بنسبة كبيرة جدًا من:
    • سنّ قوانين جديدة تُقيّد الحريات،
    • أو تُخفّف من القوانين المقيدة الموجودة حاليًّا.
ولدينا نماذج كثيرة: لمسلمين في بريطانيا،والسويد،وبلدان أوروبية أخرى،وحتى أنتم، في الانتخابات الأخيرة، كان هناك – إلى حدٍّ كبير –حركة وعي سياسي بين المسلمين.
قد لا تكون بالصورة المنشودة بعد،لكنها بداية قوية ومبشرة.
الخلاصة: نعم، عندك مساحة تستطيع أن تتحرك فيها، وأن تُقارب، وأن تُوازن، وأن تُبادر.
د. خالد حنفي
د. خالد حنفي

الدكتور خالد حنفي هو أحد العلماء البارزين المتخصصين في أصول الفقه، وقد حصل على درجة الدكتوراه في أصول الفقه عام 2005. شغل العديد من المناصب العلمية والدعوية والأكاديمية المرموقة في العالمين العربي والإسلامي، خاصة داخل القارة الأوروبية.

المقالات: 80