هذا الموقع يشرف عليه مجموعة من .طلبة العلم محبي الدكتور خالد حنفي.
إرسل فتوى
للحصول على فتوى، يرجى ملء هذا النموذج.
للحصول على فتوى، يرجى ملء هذا النموذج.
المستجدات الفقهية للمسلمة في الغرب
أهمية الاهتمام بالمرأة المسلمة في الواقع الأوربي:
ملف المرأة كملف مهم جدا، خاصة في السياق الأوروبي، وأسعد جدًا بأي مشاركة نسائية، أو بأي حضور نسائي، أو بأي فعالية نسائية.
لماذا؟ لأني مقتنع أن المرأة المسلمة اليوم بشكل عام، وفي أوروبا بشكل خاص، تستطيع أن تخدم الإسلام، وأن تدافع عنه، وأن توضح رسالته وحقيقته أفضل من الرجل بشكل كبير.
لماذا؟
لأن العقلية الغربية والثقافة الغربية حضور المرأة، أو بناء الحضارة الأوروبية، وجود المرأة فيه مركزي وأساسي وليس ثانويًا.
والمرأة الأوروبية جاهدت طويلًا لتتحرر وتصل إلى ما وصلت إليه من مكانة وحضور في المجتمع والإعلام.
والمجتمع الغربي يستمع وينصت إلى المرأة أكثر مما ينصت إلى الرجل، فتأثير المرأة وحضورها وإبراز وجودها في المجتمع الأوروبي يمكن أن يقدم الإسلام ويقطع علينا مسافات طويلة جدًا.
أعتقد أنه لو أننا كمسلمين نعيش في أوروبا نجحنا في تقديم ملف المرأة بشكل صحيح، على المستوى النظري وعلى المستوى العملي، على مستوى الممارسة أيضًا، صورة المؤسسات، موقع وجود المرأة في هذه المؤسسات، أعتقد أننا نكون قد قطعنا نصف الشوط في رد الإشكالات والشبهات المثارة حول الإسلام وحول مكانة المرأة فيه.
لم ننجح أن نقدم الصورة الحقيقية الصحيحة للمرأة بأوربا:
للأسف، أنا أستطيع أن أقول بكل اطمئنان إننا لم ننجح كوجود إسلامي في أوروبا في أن نقدم الصورة الحقيقية الصحيحة للمرأة، لا على مستوى الخطاب النظري، ولا على مستوى وجود المرأة الفعلي في المؤسسات.
أنا دائمًا أُعبر بهذا التعبير، وبعض الإخوة يُنكره عليّ، أقول إن وجود المرأة في المؤسسات هو وجود ديكوري شكلي، وليس وجودًا فاعلًا حقيقيًا. فتجد أن الإخوة في مجالس الإدارات في المساجد يقولون: “نريد امرأة تكون موجودة بحيث لما تأتينا زيارات أو وفود أو توجه إعلامي يلاحظون أننا عندنا حضور للمرأة وأن المرأة موجودة، لكن قناعتنا الحقيقية غير ذلك. قناعتنا الحقيقية هي إقصاء وإبعاد المرأة“.
أكثر القضايا التي تُثار في الميديا هي عن ملفات المرأة في الإسلام:
أحد الإخوة الباحثين بدأ يعمل دراسة على الإنترنت عن أكثر الكلمات التي يُبحث عنها: هل يُبحث عن الإسلام؟ أم يُبحث عن المرأة في الإسلام؟ أم يُبحث عن الأسئلة التي لها اتصال بالإسلام والمرأة؟
فوجد أن أكثر القضايا التي تُثار في الميديا هي عن ملفات المرأة في الإسلام.
فعمل فيلمًا وثائقيًا بقناة الجزيرة، والكلام هذا قديم يعني من حوالي ست أو سبع سنوات، سماه ماذا؟ لم يسمه “المرأة في الإسلام”، بل سماه “الإسلام في المرأة”، يعني من يريد أن يفهم الإسلام عليه أن يقرأ حقيقة مركزية وموقع المرأة في الإسلام، عندئذٍ سيفهم رسالة الإسلام بشكل عام.
يمكن من أكثر المؤسسات التي تعبر عن الإشكالية التي نحياها ونعيشها في ملف المرأة المجلسُ الأوروبي للإفتاء والبحوث، الذي أتشرف بعضويته، وأنا الأمين العام المساعد للأمين العام فيه. (المحاضرة منذ خمس سنوات عام 2020)
المجلس الأوروبي للإفتاء مؤسسة عريقة، ولها حضور، وعندها تأثير كبير جدًا على الساحة الأوروبية، وعمره الآن واحد وعشرون سنة، ليست فيه عضوة واحدة امرأة منذ أن تأسس إلى اليوم.
طيب، والله، سيقولون: “نحن إذا سألنا في هذا الموضوع نقول نحن ليس لنا مشكلة مع المرأة، لم يشترط أحد من الفقهاء في المفتية أو الفقيهة أو المجتهدة أن يكون رجلًا، بمعنى أنه لا يجوز للمرأة أن تكون مفتية، لم يقل بهذا أحد من العلماء والأصوليين.
إنما مشكلتنا مع الاجتهاد، إنه ما في كفاءات، ما في نساء مؤهلات لأن يكنّ عضوات في المجلس”.
طيب، ما هذه مشكلة أيضًا يتحمل عبئًا أو قدرًا منها المجلس.
لماذا لم يعمل المجلس على إيجاد العضوات في خلال واحد وعشرين سنة من العمل، خاصة أننا عندنا مؤسسة تعليمية عمرها يقترب من عمر المجلس، مثل المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية في شاتو شينو في باريس بفرنسا، والمعهدين عمرهما خمسة وعشرون وثلاثون سنة أيضًا؟
طبعًا، هذا العام سنتجاوز هذه الإشكالية ويدخل معنا اثنتان أو ثلاث من الأخوات، لكن أنا شهدت عدة مؤسسات كبرى عالميًا في تأسيسها، يعني في مراحل التأسيس، نطرح السؤال: “نريد نساء يكون معنا مفكرات، داعيات، فقيهات، كاتبات”.
نجد الندرة، الندرة الشديدة جدًا في المرأة الفقيهة المفكرة الكاتبة الباحثة الداعية، إلى آخره.
عندنا أزمة في هذا الموضوع، تكاد تكون النساء اللاتي يتصفن بهذه الأوصاف على مستوى العالم الإسلامي معدودات محدودات.
طبعًا إذا كان هذا النقص موجودًا في العالم العربي والإسلامي بنسبة خمسين بالمئة، فسيكون موجودًا في أوروبا بنسبة ثمانين إلى تسعين بالمئة، والتراجع والإشكال سيكون أعقد منه في العالم العربي والإسلامي، كما هو مع العنوان.
عنوان هذه المحاضرة هو: “المستجدات الفقهية للمسلمة الأوروبية” وكان هذا العنوان هو موضوع دورة للمجلس الأوروبي للإفتاء، الدورة الرابعة والعشرون.
أنا اقترحته على المجلس الأوروبي للإفتاء، وأخذ به، وعملنا دورة كاملة لمدة أسبوع لبحث المستجدات الفقهية للمسلمة الأوروبية.
ومع ذلك، المجلس لم ينجح في الإجابة عن كل الأسئلة التي أرادت الدورة أن تجيب عنها، وبقيت عندنا نواقص تحتاج إلى دورة أخرى نكمل فيها هذه الأسئلة والقضايا، لذلك الموضوع مهم.
أقول باختصار إن المرأة المسلمة اليوم ظُلمت وشُوه ملفها من الأطراف الآتية:
الطرف الأول: تيار الغلو والتشدد. تيار الغلو والتشدد ظلم المرأة باسم الدين.
يعني نحن لا نستطيع أن نحسب الشيخ كشك على تيار الغلو والتشدد، الشيخ كشك لم يكن متشددًا، وإنما كان متسامحًا وكان معتدلًا، ومع ذلك هو نفسه قال: “رحم الله زمانًا ما كانت المرأة تخرج فيه إلا من رحم أمها إلى الدنيا، ومن بيت أبيها إلى بيت زوجها، ومن بيت زوجها إلى قبرها”.
يعني يترحم على هذا الزمان. طبعًا الشيخ الغزالي أنكر عليه هذه العبارة وقال له: “والله لا رحم الله هذا الزمان”.
ولا زال إلى اليوم عندنا طرح متشدد في ملف المرأة موجود في أوروبا، ربما نأتي على بعض الأمثلة التي تؤكد على هذا المعنى، سواء في التعامل مع المرأة، أو في الاختيارات الفقهية الخاصة بها، أو في غير ذلك.
الطرف الثاني: ظُلمت المرأة كذلك من تيار الحداثة:
وتيار الحداثة تعامل مع ملف المرأة بعكس ما تعامل به تيار التشدد. وأنا في تقديري أن المرأة ظُلمت من الحداثيين أكثر مما ظُلمت من المتشددين.
وأيضًا نستطيع أن نفصّل في هذا الكلام ونبرهن عليه ببراهين كثيرة جدًا.
الطرف الثالث: ظُلمت المرأة أيضًا من تيار الاعتدال والوسطية:
لأن تيار الاعتدال والوسطية لم ينجح في أن يُظهر وأن يصل بما عنده من أفكار حول المرأة بشكل عملي في الشرق أو في الغرب.
أنا دائمًا أسأل عن كتاب “تحرير المرأة في عصر الرسالة”. طيب، هل كتاب “تحرير المرأة” تُرجم عندكم إلى اللغة الفرنسية أو الإنجليزية؟
كم واحدة من الأخوات الحاضرات قرأته؟ هو خمس مجلدات.
الحقيقة، الرجل الأستاذ عبد الحليم أبو شقة أفنى عمره في هذا الكتاب، وهو أفضل كتاب كُتب في ملف المرأة.
راجعه الشيخ محمد الغزالي، والشيخ يوسف القرضاوي، والدكتور محمد عمارة، والدكتور محمد سليم العوا، واعتمد في مصادره في هذا الكتاب على القرآن الكريم وصحيح البخاري ومسلم فقط.
كان لا يأتي بأحاديث من خارج صحيح البخاري ومسلم إلا نادرًا أو قليلًا.
أنا أعتبر واجب الوقت أن تتم مدارسة هذا الكتاب، ويتم اختصاره، لا يلزم كله، يتم اختصاره وترجمته إلى اللغات الأخرى، لأن هذا هو الذي نقدم به حقيقة صورة المرأة في الإسلام.
فتيار الاعتدال والوسطية هو أيضًا الآخر ظلم المرأة، مثل ما قلنا: نموذج المجلس الأوروبي للإفتاء ونموذج منتج موجود أمامنا، لكن لم نحسن الاهتمام به والاطلاع على ما فيه.
ظُلمت المرأة أيضًا من الأعراف والعادات والتقاليد، والأعراف والتقاليد قيدت المرأة وحبستها، سواء في الشرق أو في الغرب.
وأنا أستطيع أن أعدد عشرات الأمثلة التي ابتعدنا فيها كثيرًا عن هدي الإسلام باسم الأعراف، بل جعلنا سلطان الأعراف والعادات والتقاليد في كثير من الأوقات أعلى وأقوى من سلطان الدين، كأنه نص ديني نريد أن نُلزم به المرأة ونُقيدها باسم الأعراف.
ليتنا نحترم النصوص الدينية مثلما نحترم الأعراف في هذه الملفات.
ملف المرأة تأثر على مدار الفترات التاريخية المختلفة بالأعراف، سواء في اللباس، أو الزينة، أو الأحكام الأخرى، أو الزواج والطلاق، أو العلاقة مع الأزواج والطاعة، وهذه الأشياء كلها تأثرت بشكل أساسي بموضوع الأعراف.
الأمر الآخر الذي كان سببًا أو إشكالًا في ظلم المرأة هو ما يُعرف عند علماء الأصول بـ “سد الذرائع”.
وسد الذرائع يعني أن يكون الشيء مباحًا، ولكن نمنعه مخافة الوقوع في المحرم.
لا نُحرمه لأنه محرم بنص، فالتحريم لا يكون إلا بنص، وهم لا يُحرمونه، ولكن يمنعونه سدًا للذريعة.
تعريف سد الذرائع عند الأصوليين هو: منع ما يجوز (يعني مباح) لئلا يُتوصَّل به إلى ما لا يجوز.
يعني هو في الأساس مباح، لكن نمنعه حتى لا يؤدي إلى محرم.
مثلًا: موضوع خروج المرأة من بيتها إلى المسجد، أو إلى دروس العلم، أو غير ذلك.
أقرب لك المسألة: الحديث الذي تعرفونه جميعًا، حديث السيدة عائشة رضي الله عنها، في الصحيح، أنها قالت: “لو أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدثت النساء اليوم لمنعهن المساجد كما مُنعت نساء بني إسرائيل”.
ففي ناس يقولون: ” نحن سنُحرِّم على المرأة”. لكن هذا قول عائشة، وليس نصًا من النبي صلى الله عليه وسلم.
ربنا سبحانه وتعالى قال: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: 108].
سبّ المشركين وآلهتهم جائز. فما المشكلة أن نسب المشركين وآلهتهم؟ لماذا نهانا الله سبحانه وتعالى عنه؟
حتى لا يسبوا الله عدوًا بغير علم. هذا هو سد الذريعة: أن يكون الشيء مباحًا، ولكن يُنهى عنه لأنه يوصل إلى محرم.
ومثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لولا أن يتحدث العرب أن محمدًا يقتل أصحابه لقتلت المنافقين”. والمقصود رأس النفاق عبد الله بن أُبيّ الذي دبّر حادثة الإفك، وتسبب في هزيمة المسلمين في أحد. هل كان يستحق القتل؟ نعم. بل قال عمر رضي الله عنه: “مُر عباد بن بشير فليقتله” لكن الرسول صلى الله عليه وسلم رفض، لماذا؟ سدًا للذريعة، حتى لا يُقال إن محمدًا يقتل أصحابه، فتشنّع وسائل الإعلام (آنذاك) على المسلمين.
إذن، ما أريد قوله: إن أغلب أحكام المرأة قُيِّدت باسم سد الذرائع. نقول: هو مباح، لكن سدًا للذريعة (الفتنة) نمنعه.
فملف المرأة كله مُسيطر عليه بعنوان “الفتنة“.
أضرب لكم مثالًا: موضوع الفاصل بين الرجال والنساء في الصلاة بالمسجد.
وجود الفاصل أو السور بين الرجال والنساء في المسجد هو البدعة.
إن أردنا السنة، أن نفعل كما كان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم: تدخل النساء من نفس الباب الذي يدخل منه الرجال، وليس هناك أي فاصل بين مصلى الرجال ومصلى النساء.
النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الصلاة جلس في مصلاه يسبّح، والرجال كذلك، ثم تخرج النساء من الباب.
بعد ذلك، قال عمر رضي الله عنه: “لو جعلنا هذا الباب للنساء”، فخُصص باب للنساء.
إذن، في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك فاصل، وإنما جعل سيدنا عمر بابًا خاصًا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
طيب، المسجد في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كانت صفوف النساء تبدأ من مؤخرة المسجد وتستمر إلى الأمام، هذا معناه أنه لم يكن هناك مصلى خاص بالنساء، فإذا زاد عدد النساء يزحف الصف إلى الأمام، وإذا زاد عدد الرجال يزحف الصف إلى الوراء، وبالتالي لو كان عدد النساء كبيرًا وزاد يمكن أن تكون المساحة المخصصة لهن في المسجد مثل المساحة المخصصة للرجال.
الصورة الموجودة في مساجدنا اليوم هي أنه أصبح هناك باب خاص بالنساء، وأصبح هناك مصلى خاص بهن، والمرأة لا ترى الإمام ولا تستطيع أن تتابع الصلاة خلفه إذا أخطأ، والأطفال موجودون عند النساء يحدثون الضجيج، والميكروفون لا يصل صوته بشكل جيد، ويمكن أن ينقطع، وإذا انقطع لا تستطيع أن تتابع.
وإذا زاد عدد الرجال في المسجد، أنا عندي هذا الكلام في ألمانيا في مساجد كثيرة، أول ما يزيد عدد الرجال يقولون: “نلغي صلاة الجمعة بالنسبة للنساء، هذه سنة، ونجعل مصلى النساء للرجال، ونمنع المرأة من صلاة الجمعة“.
التغيير الذي طرأ على شكل مصلى النساء في المساجد كله سببه سد الذرائع، نعم كلامكم صحيح، والله والرسول عليه الصلاة والسلام لم يضع فاصلًا، لكن نحن وضعنا الفاصل سدًا للذريعة، لأن الفتنة اليوم والرجال اليوم والنساء اليوم ليسوا كالنساء في أيام الرسول عليه الصلاة والسلام. ومن الرجال من يأتي إلى المسجد خصيصًا لينظر إلى النساء.
فمن قال إن الفتنة لم تكن موجودة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؟ الفتنة كانت موجودة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت موجودة في زمن الصحابة، وستظل موجودة في كل العصور.
الفرق في التفاوت، يعني مساحتها وقدرها.
هل قرأتم أن امرأة تعرضت لحادثة اغتصاب من رجل وهي عائدة من صلاة الصبح في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم؟ هذه واقعة صحيحة، المرأة بعد أن فرغت من الصلاة وهي عائدة من المسجد في الظلام تعرض لها رجل، فجاء رجل آخر وخلصها من هذا الذي اعتدى عليها، فأمسك الناس بالمُخلّص واتهموه بأنه هو الذي قام بالجريمة، وهي واقعة معروفة.
طيب، الرسول عليه الصلاة والسلام ماذا فعل؟ كان يمكن أن يتخذ قرارًا استثنائيًا ويقول: “هناك مشكلة تحدث للنساء عند خروجهن من صلاة الصبح في المسجد، إذًا نمنعهن من صلاة الصبح أو العشاء”.
لكنه لم يفعل، وبقي المسجد مفتوحًا للنساء في العهد النبوي وفي عهد الصحابة في الصلوات الخمس كلها.
حديث الفضل بن العباس، الفضل بن العباس الذي كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم، أي يركب خلفه على الناقة يوم عرفة، وجاءت امرأة، الروايات تقول: كانت وضيئة حسنة الوجه، فجعل ينظر إليها، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بغض البصر، ثم حوَّل وجهه، فيعود فينظر إليها، ويستمر النبي صلى الله عليه وسلم في التوجيه، ومع ذلك يكرر النظر، وهو في يوم عرفة.
الرجل الذي جاء إلى المسجد وكان يتعمد الصلاة في آخر الصفوف حتى ينظر إلى امرأة حسناء وضيئة في أثناء الركوع، كان يرفع ذراعه وينظر هكذا وهو في الصلاة. وقيل: إن في شأنه نزل قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ﴾ [سورة الحجر: 24]. يعني: أن الله سبحانه وتعالى يعلم من يتقدم ومن يتأخر ولأي سبب.
المقصود أن مثل هذه الصور من تجاوز بعض الناس في المساجد لم تكن سببًا في أن يمنع الرسول صلى الله عليه وسلم المرأة من حقها في العبادة، أو من حقها في التواجد في مؤسسات الحياة كلها، ليس فقط المسجد، بل الحضور السياسي، والحضور الاجتماعي، والحضور العلمي، وكل أشكال الحضور التي كانت موجودة للمرأة في العهد النبوي.
ولذلك أقول بكل اطمئنان: دراسة واقع المرأة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الصحابة، ومقارنته بواقع المرأة اليوم، خصوصًا في ممارسات تيار الاعتدال والوسطية، تعطينا نتيجة أن المسافة كبيرة جدًا بين وجود المرأة وتمكينها اليوم في المؤسسات، وبين ما كانت عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة.
ظُلمت المرأة أيضًا من خلال تأويل النصوص الصحيحة بشكل خاطئ، فالنص صحيح، لكن يتم تأويله بسلطان الذكورة.
كل الرجال يريدون سلطة دينية على المرأة باسم الدين، فيقول الرجل للمرأة: قال الله تعالى: ﴿مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ [سورة النساء: 3]، وقال الله تعالى: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ﴾ [سورة البقرة: 282]، وقال الله تعالى: ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ﴾ [سورة النساء: 11]، وقال الله تعالى: ﴿وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ [سورة النساء: 34]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “أيما رجل دعا امرأته إلى فراشه فأبت باتت تلعنها ملائكة السماء“.
المرأة ماذا تفعل؟ تقول: “الله سبحانه وتعالى قال، والنبي صلى الله عليه وسلم قال”، فتخاف.
وهو يريد سلطة دينية يستعلي بها على المرأة، ويأخذ كسبًا إضافيًا على حسابها.
فتُؤوَّل النصوص دائمًا على نحو خاطئ غير مراد النبي صلى الله عليه وسلم، ليُنتَج أن الرجل أميز من المرأة وأعلى منها وأفضل منها.
حديث “النساء ناقصات عقل ودين” كل الناس يحفظونه عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن من يعرف سياقه وسباقه ولحاقه والمناسبة التي قيل فيها؟
والله لو عرفنا أوله وآخره والمناسبة التي قيل فيها لما احتجنا إلى أي تأويل، فهو شارح لنفسه، ولكن تم اجتزاؤه على هذا النحو للسبب الذي ذكرته قبل قليل.
تمَّ ظلمُ المرأةِ بإشاعةِ وترويجِ الأحاديثِ الضعيفةِ والموضوعة، وأصبحت شهرةُ الأحاديثِ الضعيفةِ والموضوعة أكثرَ من شهرةِ الأحاديثِ الصحيحةِ المتعلقةِ بالمرأة. لا أدري هل اطَّلعتم على الدراسةِ التي كتبتها الأختُ مريم عطية، وأصدرها منتدى المرأة عندنا في أوروبا؟
دراسةٌ مختصرة جمعتْ فيها كلَّ الأحاديثِ الضعيفةِ والموضوعة المشهورة على ألسنة الناس، والتي تُقدِّم صورةً مغلوطة عن ملفِّ المرأة في الإسلام، وقدَّم لها الدكتور عبد الله الجديع، الرئيسُ الأسبقُ للمجلسِ الأوروبي للإفتاء.
من المهم جدًّا أن تطَّلعوا عليها؛ عشان تعرفوا كم وحجم الأحاديث الزائفة المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم، والتي شوَّهت مفهوم المرأة وملفها كما قلت.
اليوم هناك حملةٌ من التيار الحداثي على المرأة، وعلى ملفِّ المرأة.
هذه الحملة تستهدف التشكيكَ في الثوابت.
يمكن نحن لم نشهد حملةً على الحجاب والتشكيك في فرضيته يقودها –رموز من التيار الليبرالي أو الحداثي، شحرور وغيره – وأيضا حتى من المؤسسة الدينية الرسمية، مثل مؤسسة الأزهر.
لعل بعضكم استمع إلى سعد الدين الهلالي وهو يتحدث عن الحجاب، وعن النصوص التي يدَّعي – حسب كلامه – أنها مؤسسة لفرضية الحجاب وإلزام المرأة به.
الذي يستمع إلى حديثه إمَّا أن يتشكك في فرضية الحجاب، وإمَّا أن يحسم تشككه ويخلع الحجاب، وانتهى الموضوع.
القضية لعلكم سمعتم بها: صيام الحائض. إنهم يقولون: “، يجوز للحائض أن تصوم قياسًا على المريض”. المريض عنده رخصة للفطر، لكن إذا كان قادرًا على الصيام يصوم، فكذلك الأمر بالنسبة للحائض.
ما في نص يقول بهذا، ويؤولون نصَّ السيدة عائشة. ما الذي يقصدونه من هذا الكلام؟
القضية بالنسبة لهم ليست أن تصوم الحائض أو لا تصوم، ليست قضية.
القضية أن يصلوا إلى التشكيك في المستقر.
لكن هذه قضية نحن درجنا عليها ونشأنا عليها ومعروفة. “كلا، ما نشأتَ عليه كان خطأ، وبالتالي تقبل أن ما نشأتَ عليه من أن الحجاب فرض، أيضًا هو الآخر كان خطأ، وإن في رأي آخر، وإن الحجاب ليس فرضًا… وإلى آخره”. وأن يصل معك إلى التشكيك في القرآن نفسه، لأنه ما هو إذا استبعدنا السنة التي تفرض الحجاب على المرأة، أو تمنع المرأة الحائض من الصيام، معناها سنعود إلى القرآن.
تعود إلى القرآن تجد عندك أحكامًا لا تستطيع أن تلتزم بها، يبقى معناها أن القرآن أيضًا سيُعطَّل عن التفعيل في حياة المسلمين.
كما نقول: ما الذي نحتاجه أمام هذه الحملة الحداثية على المرأة وعلى ملفها؟
نحتاج إلى تقوية العُدَّة الاستدلالية. بمعنى: لماذا النساء تأثرن بحملات التشكيك في الحجاب؟
لأن ما عندهن عُدَّة استدلالية، لأنهن غير مُحصنات فكريًا ضد الكلام الذي يُطرح. أنا عندي حالات لبنات خلعن الحجاب في ألمانيا.
لا تُشكِّل ظاهرة، لكنها حالات معدودة.
أجلس أتحاور مع البنت فتقول لي: “أنا أُتحجَّب لكني لم أقتنع به يومًا، أنا لبسته كعادة اجتماعية عشان أهلي وعائلتي وحتى أرضيهم وكذا، لكن أنا نفسي لم أقتنع بالحجاب، لأنه لم يتحدث معي أحد عن الحجاب ولا عن أدلته ولا فلسفته وإلى آخره”.
فنحن محتاجون إلى تقوية العُدَّة الاستدلالية.
وهذه العُدَّة الاستدلالية ليست فقط لدى الجيل الأول الذي هو راسخ في هذا الموضوع ما عنده إشكال، وإنما الأجيال الجديدة وأولادكم وبناتكم، هذا هو التحدي الكبير الذي نحتاج أن نقف عنده طويلًا.
الأمر الثاني هو التركيز على مبدأ التقصُّد والتعليل في فهم الأحكام.
التقصُّد والتعليل مفهومه أني أتصور أن كل حكم تشريعي في الإسلام لو سُبق بأداة الاستفهام “لماذا؟”، أجد جوابًا متماسكًا يُقنع المسلمة وغير المسلمة.
فإذا قيل لي: “لماذا تتحجب المرأة؟” يكون عندي جواب منطقي وفلسفي إذا قيل لي: “لماذا لا تشربون الخمر؟” “لماذا لا تأكلون الخنزير؟” “لماذا تصلون؟” “لماذا تصومون؟”.
هذه أسئلة مطروحة في العقل الغربي، مطروحة من أولادنا المسلمين قبل أن تُطرح من غير المسلمين.
أحد الأسباب التي جعلت تراثنا الفقهي يَنُدُر فيه التعليل والإجابة على هذه الأسئلة هو أن القضايا لم تكن مطروحة في زمنهم مثل ما هي مطروحة اليوم.
نحن في مصر قبل خمس سنوات أو عشر سنوات، كان يُطرح السؤال للأخوات لماذا تلبسون الحجاب؟ أو في تشكيك على استحياء في فرضية الحجاب؟
لكن فلسفة الحجاب أو “لماذا؟” لم يكن يُطرح هذا السؤال.
الملتزمة مقتنعة وتلبس، والغير ملتزمة تتبرج وانتهى الموضوع.
لكن اليوم الناس تريد أن تفهم، ونحن في عالم مفتوح الآن، فنحتاج أن يكون عندنا تراث وكتابات ومحاضرات وطرح يعتمد مبدأ التقصُّد والتعليل في كل الأحكام: الإيجاب والإلزام، أو التحريم والنهي.
هل هذا ممكن؟ طبعًا ممكن، كل أحكام الإسلام فيها تعليل وتقصد.
والذي يقول لك: “نحن مع التعليل والتقصد، لكن في دائرة العبادات، هذه دائرة مغلقة، وتعبدية وانتهى الموضوع”
هذا الكلام كان يصلح للأزمنة الماضية، لكن لا يصلح لزماننا اليوم. والقرآن الكريم أكثر تعليل فيه في دائرة العبادات؛ يعني الصيام معلَّل، والحج معلَّل، والزكاة معلَّلة. كل أحكام الإسلام التي هي عبادية مُعلَّلة في القرآن الكريم وفي السنة النبوية.
الأمر الآخر هو أننا نحتاج إلى صناعة الرموز النسائية التي تكتب وتحاضر وتدافع عن ملف المرأة، ولا نترك هذا الموضوع للرجال بشكل دائم.
ما الذي نحتاجه اليوم في التعامل مع المستجدات الفقهية؟
أنا أتحدث في مبادئ عامة وأترك المسائل الخاصة بالمستجدات لطرح أسئلتكم، لأنني لا أعرف ما المستجدات التي عندكم، وما القضايا التي تشغلكم وتحتاجون إجابة فيها، فأضع الأطر العامة، وأهم شيء بالنسبة لي هو الأطر العامة، لأنها الحاكمة على كل شيء.
ما الذي نحتاجه في التعامل مع المستجدات؟
مبدأ التيسير، والتيسير ليس منهجًا اخترعه الشيخ القرضاوي أو أحد من العلماء المعاصرين، كلا. التيسير منهج قرآني نبوي. الرسول ﷺ: “ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما“.
العبادات كلها لو تأملتم في القرآن الكريم، تجدون أن كل العبادات تُختم بالتأكيد على التيسير والتخفيف ورفع الحرج.
فالتيسير مبدأ أساسي في ديننا، وإذا اعتمدناه بشكل عام في الترجيح وفهم الأحكام، فاعتماده بالنسبة للمسلمات والمسلمين في أوروبا من باب أولى، لأن عندهم تحديات وخصوصيات تختلف عن التحديات والخصوصيات الموجودة لعموم الناس خارج أوروبا.
رعاية العرف الأوروبي:
لي بحث قدمته في المجلس الأوروبي للإفتاء عنوانه “العرف الأوروبي وأثره في قضايا المرأة”، كيف أن العرف الأوروبي له اعتبار. والمجلس أصدر قرارًا تأسس على هذا البحث، القرار يقول: “العرف يُعتبر مُرجِّحًا في القضايا الخلافية”، أي إذا كان عندي مسألة خلافية بين العلماء –مثل مصافحة المرأة– فالجمهور يُحرِّمون، بينما المجلس الأوروبي للإفتاء يُبيح للمسلمين في أوروبا المصافحة.
إذن، عندي اختلاف؛ فأرى أي رأي يتوافق مع أعراف وعادات المجتمع.
الرأي الذي يتوافق مع عادات وأعراف المجتمع هو المصافحة، لأنهم ينظرون إليها على أنها مسألة ذوقية وشكل من أشكال الاحترام، وأن رفضها يعني عدم احترام الشخص الذي مد يده بالمصافحة.
فيُختار الرأي المتوافق مع هذه الأعراف.
وعندي اتجاهان في مسألة وجود فاصل في مصلى النساء: الاتجاه الذي يقول بعمل فاصل هو اتجاه معتبر، لكن الذي يناسب العرف الأوروبي هو أن أرفع هذا الفاصل وأترك المسجد مفتوحًا كما كان في عهد النبي ﷺ، كما ذكرنا في بداية الحديث، وهكذا يكون مراعاة للعرف الأوروبي.
الأمر الآخر: رعاية الضرورات والحاجات. قد يكون الحكم مقررًا وثابتًا، لكن هناك حاجات للناس، وضرورات بالنسبة للمرأة؛ ضرورة عمل، ضرورة دعوة، ضرورة اجتماعية. أي ضرورة من الضرورات أو حاجة من الحاجات يجب أن تُعتبر في هذا الاجتهاد.
الاجتهاد الذي أدعو إليه في قضايا المرأة هو عكس الاجتهاد السائد، وهو فتح الذرائع وليس سد الذرائع.
فتح الذرائع يعني أن أفعل ما لا يجوز لأصل إلى تحقيق ما يجوز أو أحافظ على ما يجب.
ولا تظنوا أن هذا الكلام اختراع مني.
الإمام القرافي، واحد من علماء الأصول والمقاصد المعروفين، يقول: “اعلم أن الذريعة كما يجب سدها، يجب فتحها، وتُكره وتُندب وتُباح، فإن الذريعة هي الوسيلة، فكما أن وسيلة المحرم محرمة، فوسيلة الواجب واجبة“.
يعني كما نقول “سد الذرائع” أيضًا نقول “فتح الذرائع”. نحن نحتاج أن نفتح الذرائع في ملف المرأة اليوم.
المبدأ الآخر المهم، ركزوا معي في هذه القاعدة، لأننا عكسناها.
قاعدة تقول: “يثبت للمرأة من الأحكام مثل ما يثبت للرجل، إلا ما استثناه الشرع“.
نحن فعلنا العكس، اعتبرنا المرأة مختلفة عن الرجل في كل الأحكام، والاستثناء أن نعطيها أحكامًا تتساوى أو تتعادل فيها مع الرجل.
من أين أتينا بهذا الكلام؟ أتينا بهذا الكلام من القرآن الكريم ومن السنة النبوية، أن أصل المساواة موجود في القرآن الكريم والسنة النبوية:
بل تخيلوا أن اللغة العربية، من تمام التساوي والتطابق، ترفض أن يُميز الرجل عن المرأة أو تُميز المرأة عن الرجل في مصطلح “الزوج”.
يعني أنا لو أحببت أن أقول مثلًا: “أهدي هذا الحاسوب لزوجتي”، الأفصح أن أقول “لزوجي” وليس “لزوجتي”؟ “
لأن “الزوج” مذكر ومؤنث، يعني ما في فرق في المصطلح بين الرجل وبين المرأة. هذا خطأ لغوي شائع. قال تعالى: ﴿وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ﴾ [سورة الأعراف: 19]، وليس “زوجتك”. فـ”زوج” لا رجال ولا نساء، للتأكيد على تمام المساواة، إلا الأحكام التي جاء الشرع ليخصص المرأة بها، فتختلف عن الرجل لاعتبارات تتصل بالمهام لا بالمقام.
يعني أنه في وظيفة وأعباء مطلوبة من الرجل غير الأعباء والمهام المطلوبة من المرأة، لهذا في تمييز في بعض الأحكام.
كما قلت في الميراث مثلًا: ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ﴾ [سورة النساء: 11]. هذا استثناء نصّ الشرعُ عليه لاعتبارات معينة.
كذلك: يجوز للمسلم أن يتزوج من الكتابية، ولا يجوز للمسلمة أن تتزوج من الكتابي.
هذا استثناء من الأصل بنص الشرع، فلا نقول هذا هو الحكم العام.
وهذا موضوع في غاية الأهمية، لأن بعض العلماء وقعوا في هذا الإشكال، فاعتقدوا أن اصطلاح “الرجال” واستعماله في القرآن الكريم يعني قصر الحكم على الرجال.
مثل ابن كثير مثلًا، قال: إن إعمار المساجد يقتصر على الرجال.
لماذا؟ قال: ربنا سبحانه وتعالى قال:﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ﴾ [سورة النور: 36-37].
فقال: “فهذا مقصور على الرجال”. وقال في الآية الأخرى في سورة التوبة: ﴿لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ﴾ [سورة التوبة: 108]، فيه رجال وليس “نساء“.
ولفظ “الرجال” في اللغة يُطلق على الرجل وعلى المرأة، والقرآن الكريم نفسه عبر عن “الرجال” وقصد بها الرجال والنساء.
فعلى الأعراف: ﴿رِجَالٌ﴾، يعني إيه “رجال”؟ يعني ذكور فقط ولا رجال ونساء؟ رجال ونساء طبعًا.
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ﴾ [سورة الأحزاب: 23]، أيضًا هذا اللفظ يشمل الرجال والنساء.
ولذلك في اللغة العربية يقال للمرأة “رجُلة”. السيدة عائشة رضي الله عنها كانت “رجُلة الرأي”، أي: رأيها في رشده وحكمته ومنطقه مثل رأي الرجال.
وعندنا النصوص العامة الأخرى التي تؤكد على أنه ما في فرق بين المرأة والرجل في ارتياد المساجد:
سؤال نرجو التوضيح عن موضوع المساواة بين الرجل والمرأة؟
موضوع المساواة المجتمع كله يطرح هذا الموضوع: المساواة، والمجتمع كله عنده ذات الإشكالات المطروحة على ملف المرأة.
زارتنا مرة جمعية نسوية ألمانية، يعني نساء غير مسلمات، كلهن في مراكز علمية مرموقة، يعني نساء واعيات.
فالمسؤولة المتحدثة باسمهن قالت: “نحن عندنا مجموعة أسئلة وإشكالات حول المرأة في الإسلام.
إذا لم تجدوا لها حلًا مقنعًا نفهم به الموضوع، نحن عندنا مشكلة مع الإسلام، لا نقصد أن نصبح مسلمات، مجرد قبول الإسلام كفكرة عندنا إشكالية مع هذا”.
لما استمعن إلى أجوبة منطقية متماسكة تنطلق من البيئة الأوروبية والثقافة والمجتمع الأوروبي، اقتنعن بالكلام.
قالوا: “الآن عندنا فكرة مبدئية أن الكلام مقبول، أن الكلام له وجه“.
موضوع المساواة يكفي للرد عليه هذه القاعدة التي ذكرتها: “يثبت للمرأة من الأحكام مثلما يثبت للرجل إلا ما استثناه الشرع”.
ما الذي استثناه الشرع؟
الذي استثناه الشرع معدود ومحدود وله سبب وعنده وظيفة.
يعني لو أوجدنا الأشياء التي استثنى الشرع المرأة من الأحكام واعتبر لها أحكامًا خاصة مختلفة عن الرجل فهي في الحقيقة لها مقاصد، وعندها في إطار التكريم للمرأة، في إطار التخفيف عليها، في إطار رعاية الطبيعة الخلقية التي خلق الله سبحانه وتعالى المرأة عليها.
ولذلك أنا أريد منكم أن تنتبهوا إلى شيء مهم جدًا، أحد المقاصد الأساسية التي يجب أن نبرز وأن نُظهر نحن قيمة وعظمة الفكر الإسلامي في تعامله مع ملف المرأة هو مسألة الاختلاف.
نحن نسقط في فخ المساواة هذا، ونقول: ” مساواة، في كل شيء”. كلا، نحن نؤكد على مبدأ “إلا ما استثناه الشرع”.
لأن اختلاف المرأة عن الرجل في عدد من الأحكام هو عين المعاناة أو المشكلة أو الأزمة التي يعاني منها الغرب اليوم.
المساواة المطلقة أضرت بالمرأة وأضرت بالمجتمع، وهناك أصوات اليوم تنادي بالعودة إلى رعاية هذه الاختلافات، لأن ربنا سبحانه وتعالى هو الذي خلق الرجل وهو الذي خلق المرأة: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [سورة الملك: 14].
خلق الرجل فقال له: “أنت عندك مهام معينة”، وخلق المرأة وقال: “هذه المرأة عندها مهام معينة”، ل
يتحقق القصد الأعظم من خلق
الإنسان، وهو مبدأ الاستخلاف وعمارة الكون. حتى يستخلف الإنسان وحتى يعمر الكون يبقى لابد من هذا الموضوع.
المعلمة الألمانية التي كانت تُدرِّس لنا اللغة الألمانية طرحت عليَّ مرةً سؤالًا، قالت لي: أنا أريد أن أفهم: لماذا يُحرَّم على الرجل أن يلبس خاتم الذهب، ويجوز هذا الكلام للمرأة؟ أريد أن أفهم هذا الموضوع.
قلت لها: “خذي الموضوع بهدوء شديد.
الإسلام عنده أحكام، وينظر إلى المرأة نظرة تختلف عن الرجل، ويعمل على الإبقاء على اختلاف المرأة عن الرجل في بعض الأشياء عميقًا جدًّا.”
لماذا؟ لأنه بقدر وضوح هذا الاختلاف يستمر ميل الرجل للمرأة وميل المرأة للرجل، وبقدر اهتزاز هذا الاختلاف يتأثر ويتضرر هذا الميل.
ولذلك المرأة التي تسترجل ـ أي التي تقص شعرها مثل الرجل، وتلبس لباسه، وتمارس رياضاته ـ ينظر إليها الرجل قائلًا: “هذه مثل الرجل، لا أميل إليها ولا أنجذب لها.”
وكذلك الرجل الذي يكتسب بعض صفات المرأة في رِقَّته المفرطة وعاطفته الزائدة، لا تنجذب إليه المرأة، فتقول: “أين رجولته؟“
المرأة الأوروبية تنجذب إلى شخصية الرجل العربي.
لماذا؟
لأن الاختلاف عميق بينه وبين الرجل الأوروبي، فتنزع إلى شيء مختلف عنها.
فقلت لها: “هذا الموضوع ينطبق على الزينة، المرأة بما أنها خِلقة مختلفة عن الرجل، يناسبها التزين والتجمل، ولذلك الإسلام فتح لها باب الزينة بالحلي والذهب، بينما حدَّد للرجل مساحة محدودة جدًّا ليتزين بها، ليُبقي على شخصيته كرجل مختلفة عن المرأة، حتى يبقى الاختلاف، ويبقى الميل الفطري عميقًا بين الرجل والمرأة.”
ولذلك لو طُرح سؤال: “لماذا تتحجب المرأة ولا يتحجب الرجل؟” فالجواب أن الرجل يميل إلى المستور الذي يكشف جزءًا، أكثر من ميله إلى المتكشف دائمًا.
ولو تساوى الرجل والمرأة في هذا، لاهتز الميل الفطري بينهما.
فالتشريع هنا له فلسفة: وهي أن مساحات الاختلاف القليلة التي يُظَن أنها ضد المساواة إنما عندها حكمة، وهي الإبقاء على الميل الغريزي بين الجنسين، ليستمر تكوين الأسرة، وتستقر الحياة، ويُعمَر الكون.
ثم قلت لها: “لو سُئلنا: لماذا لا تتزوج المسلمة من كتابي، بينما المسلم قد يتزوج كتابية؟ فالجواب أن القضية ليست تمييزًا، بل فلسفة شرعية ترمي إلى استقرار الأسرة.”
فالإسلام ينشد أسرة مستقرة، ويريد رفع نسب النجاح في الزواج إلى أعلى ما يمكن، ولذلك قرر الفقهاء أن الكفاءة بين الزوجين ضرورية، في الدين والمال والحرفة والنسب… إلخ، حتى تكون فرص التوافق أكبر.
أما زواج المسلم من الكتابية، وإن أُبيح في القرآن (سورة المائدة، الآية 5)، فإن الواقع الأوروبي اليوم أثبت أن نسبة نجاحه تكاد تكون صفرًا، بل ينقلب ضرره على الزوج نفسه.
كثير من المسلمين المتزوجين من أوروبيات يعانون معاناة شديدة، فالزوجة تعاند الزوج، وتؤثر على الأولاد، بل وتضغط على الرجل في عباداته نفسها.
وقد رأينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ـ مع أنه في دولة مسلمة ـ يأمر حذيفة رضي الله عنه بتطليق كتابية، لا لأنه حرام، ولكن خشية الفتنة على المسلمين، وقال: “في نساء الأعاجم خِلابة، فكفى بذلك فتنة لنساء المسلمين.”
إذن المسألة ليست مجرد “تمييز”، بل لها فلسفة عميقة، غايتها حماية الدين والأسرة، وضمان استمرار الميل الفطري، ومن ثم استمرار عمارة الكون.
من الطرائف التي أذكرها أن الشيخ عبد الحليم محمود الله يرحمه وكان رجلًا عارفًا سافر في مؤتمر في أمريكا وطرحت امرأة غير مسلمة عليه هذا السؤال قالت له: “لماذا المسلم يتزوج من الكتابية والمسلمة لا يجوز لها أن تتزوج من الكتابي؟ فهذا يتناقض مع مبدأ العدل؟
قال: “فأخذتني غفوة وأنا قاعد في اللقاء وهم يكملون الأسئلة بسرعة فجاءني النبي صلى الله عليه وسلم وقال لي: قل لهم آمنا بنبيكم فحلت نساؤكم لنا آمنوا بنبينا تحل نساؤنا”
خلاص انتهى الموضوع.
لكن أنا البعد الفلسفي الذي أركز عليه أكثر هو مسألة التوافق أن عملية التوافق متصورة واردة في زواج المسلم من الكتابية وغير متصورة أو واردة في العكس
سؤال الأخت عن سفر المرأة بغير مَحْرم
عندنا نصوص تُحرِّم هذا الموضوع لكن كيف نفهم هذه النصوص لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة ثلاثة أيام إلا ومعها مَحْرم
عندنا قاعدة أصولية مهمة تقول ما حُرِّم لذاته لا يُباح إلا للضرورة أما ما حُرِّم سدًا لذريعة فيُباح عند الحاجة
سفر المرأة بغير مَحْرم مُحرَّم لذاته أم لغيره؟
مُحرَّم لذاته يعني التحريم واقع على عين الفعل مثل أكل الخنزير وشرب الخمر مثلًا لكن المُحرَّم لغيره يعني هو في حد ذاته مباح لكن طرأ شيء عليه نقله من الإباحة إلى الحرمة فمجرد سفر المرأة هو مباح لكن لماذا حُرِّم عليها أن تسافر بغير مَحْرم؟
خوفا عليها أن تقع في يد قطاع الطريق ولأن السفر كان دائمًا يتم في الصحراء وإلى آخره … فقالوا: “فما حُرِّم سدًا لذريعته يُباح عند الحاجة” يُباح عند الحاجة العلمية الحاجة الدينية الحاجة الاجتماعية كل هذه الأسفار
وإذا اعتبرنا أن علة التحريم هي الأمن أمن الطريق فالأمن اليوم متوفر في أوروبا
أنا لا أستطيع أن أقول في سوريا مثلًا اليوم في بعض المناطق أو في ليبيا أو في مناطق فيها إشكال وفيها عدم توفر أمن بالفعل للطريق أقول: المرأة تسافر بغير مَحْرم يعني اليوم في مناطق وأماكن لا تستطيع المرأة أن تسافر حتى مع المَحْرم ما رأيكم؟
حتى لو المَحْرم موجود لن يُحقق لها الأمن فالأول نقول لها لا تسافري.
لكن اليوم في أوروبا ومع توفر أمن الطريق يجب ألّا نتردد في إباحة هذا السفر.