هذا الموقع يشرف عليه مجموعة من .طلبة العلم محبي الدكتور خالد حنفي.
إرسل فتوى
للحصول على فتوى، يرجى ملء هذا النموذج.
للحصول على فتوى، يرجى ملء هذا النموذج.
خطبة الجمعة بمسجد المهاجرين. بون ألمانيا 1 أغسطس 2025م
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وبعد
فقد تأملت طويلاً في واقع الأمة البائس اليوم وما تعانيه من عجز وخذلان للمستضعفين في كل مكان رغم كثرتها العددية، ونظرت في واقعنا الذي يحمل أسئلة عديدة منها: لماذا بلغت الأمة هذه الحالة من العجز والهوان حتى أنها تشاهد أهل غزة وأطفالها يموتون جوعا وعطشاً على الهواء مباشرة ثم تنام وتصحو وتتكيف مع الحال وتطبع معه؟
لماذا انتشر الظلم في كل بقعة على هذا النحو المخيف من ظلم أهل غزة إلى ظلم الشباب والعلماء والمصلحين وسجنهم من سنين دون تهمة أو جرم؟
لماذا كثرت الفواحش والمنكرات وجاوز الناس الحد في المجاهرة والتفاخر بها على المنصات والشبكات؟
ولماذا ارتفعت البركة من حياتنا من بركة الزمن والعمر إلى بركة المال مهما كثر، ولماذا هذا الغلاء والتضخم الذي يلتهم الدخل والمدخرات؟
ظلماتٌ بعضها فوق بعض وأسئلة تحتاج إلى إجابات وعمل، ويمكننا أن نجيب بأجوبة كثيرة ومختلفة ويمكن أن يقول قائل أيضا:
لقد بالغت في تصوير حال الأمة والناس فالخير باق إلى قيام الساعة ونحو ذلك؟
ولكني اختصر الجواب في:
غياب فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
أي نعم غياب فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكربِرُتَبها ودرجاتها، وهي سر نكبتنا ومفتاح نهضتنا، وهذه الفريضة الغائبة بها نتوقى استمرار تردي الحال والاستبدال كما وقع فيمن سبقنا من الأمم قال تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المائدة: 78-79] ، فنَسَب فعل المنكر إليهم جميعاً وترك التناهي عنه إليهم جميعاً كذلك.
وقد رأينا جميعاً الظلم والمنكر في أقصى درجاته إلى حد موت الأطفال والكبار جوعاً ولم ننكره، ورأينا المعروف ينهدم والعدل ينخرم، ولم نأمر به وفق وسعنا وطاقتنا وبفقهه وحكمته، ونحن خير أمة أخرجها الله للناس، نحن الأمة الشاهدة على الناس والسبب أنها: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110]
وهذه جملة من أهم العقوبات والآثار التي تترتب على ترك الأمر بالمعروف ممثلا في إقامة العدل، والنهي عن المنكر ممثلا في إيقاف الظلم والبغي:
1- التهديد بنزول العذاب العام والهلاك الشامل:
هناك العديد من النصوص التي تدل على أن ترك الظلم والمنكر دون إنكار وجهد لمنعه ومقاومة المصلحين له يؤدي إلى الهلاك والعذاب العام؛ قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [الأعراف: 164-166]
وعن جرير بن عبدالله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” ما من رجلٍ يكونُ في قومٍ يعملُ فيهم بالمعاصي يقدِرون على أن يُغيِّروا عليه فلا يُغيِّروا إلَّا أصابهم اللهُ بعذابٍ من قبلِ أن يموتوا” أبو داوود بسند صحيح.
وهذا حديث مخيف لأنه يشير إلى نزول العذاب في الدنيا قبل أن يموتوا، ونحن لا شك قادرون على منع الظلم وإيقاف المنكر ولم نستفرغ كل ما في وسعنا.
وعن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضوانُ اللهِ عليه أنَّه قال : أيُّها النَّاسُ إنَّكم تقرؤُون هذه الآيةَ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } وإنِّي سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ : إنَّ النَّاسَ إذا رأَوْا ظالمًا فلم يأخُذوا على يدَيْه أوشك أن يعُمَّهم اللهُ بعقابٍ” أبو داوود وابن ماجة والترمذي بسند صحيح.
2- عدم إجابة الدعاء:
لقد دعونا الله طويلاً أن يوقف الحرب ويطعم أهل غزة من جوع ويؤمنهم من خوف فلماذا لم يُستجب لنا؟
لأن الدعاء يكون بعد استفراغ الوسع في العمل، الدعاء يكون مصاحبا للحركة والفعل قال تعالى: ﴿وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 250]، فدعوا بالتثبيت والنصر بعد البروز والتلبس بالعمل.
وتأمل قوله تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: 146-147] فدعاؤهم كان وهم في ساحة المعركة، أما نحن فنريد نصرا مجانيا لا تضحية فيه ولا مجاهدة معه!!
ثم هناك سبب آخر لعدم إجابة الدعاء وهو ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” والَّذي نَفسي بيدِهِ لتأمُرُنَّ بالمعروفِ ولتَنهوُنَّ عنِ المنكرِ أو ليوشِكَنَّ اللَّهُ أن يبعثَ عليكُم عقابًا منهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ” الترمذي بسند صحيح.
وعن أبي هُريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: “لَتَأمُرُنَّ بالمعروف، ولتَنْهَوُنَّ عن المنكَر، أو لَيُسَلِّطَنَّ الله عليكم شرارَكم، فيدعو خيارُكُم، فلا يُستجابُ لهم” رواه ابن حبان وأحمد.
وعن عائشة رضي الله عنها: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دخل، فعرفتُ في وجهه أن قد حفَزَه شيء، فتوضَّأ وما كلَّم أحدًا، ثم خرج، فلصقتُ بالحجرة لأسمعَ ما يقول، فصعِدَ على المنْبَر، فحَمِدَ الله وأثنى عليه، وقال: “أيها الناس! أنَّ اللهَ تبارك وتعالى يقول لكم: مُروا بالمَعْروف، وانْهَوْا عن المنكر؛ قبل أن تدعوني فلا أستجيب لكم، وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم”، فما زاد عليهـنَّ حتى نزل. ابن ماجة وأحمد والبزار.
3- الفرقة والتنازع وذهاب الأثر:
حال الأمة الآن وافتراقها وتنازعها رغم توفر كل أسباب الوحدة والاجتماع سببه هو تلك الفريضة الغائبة قال تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104] ثم الآية التي تليها: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 105]
فالفرقة والتنازع راجع إلى ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
4- استعلاء المنكر وهلاك الصالحين:
إن المنكر لا يتفاحش ويعلو صوته في المجتمع إلا بتراجع وضعف الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وقلة المصلحين وعدم ظهور أثرهم في المجتمع عندئذ يشمل العذاب أهل الصلاح، لأنهم يقومون بواجب مقاومة الظلم والمنكر؛ روى البخاري ومسلم عن زينب بنت جحش رضي الله عنها: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم استيقظَ يومًا من نومه فزِعًا وهو يقول: “لا إله إلا الله، ويلٌ للعرب من شرٍّ قد اقترب، فُتحَ اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا (وحلَّق بين أصبعيه السبابة والإبهام)”. فقالت له زينب رضي الله عنها: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: “نعم؛ إذا كَثُرَ الخَبَث”.
ولعلنا نكمل الجواب عن السؤال كيف ننكر المنكر ونمنع الظلم والحصار والتجويع لأهل غزة والجمعة القادمة بحول الله.
اللهم فرج الكرب
وأوقف الحرب على أهلنا وإخواننا في غزة،
اللهم أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف،
والحمد لله رب العالمين.