إرسل فتوى

أولويات المسلمين في الغرب 


أولويات المسلمين في الغرب

إن موضوع الأولويات من الموضوعات التي ابتُذلت من كثرة ما تناولتها الألسن؛ فدائمًا ما نسمع: “الأولويات، وفقًا للأولويات” كثيرًا، لكن هذا التكرار للمصطلح أوهمنا أن المسألة قد نضجت، وأنها مستوعبة على المستوى النظري، وبالتالي مطبقة على المستوى العملي.

والحقيقة على خلاف ذلك، فقد أخلّت الأمة في مجموعها بفقه الأولويات وأضرّت به، فقدمت أشياء وملفات كان يجب أن تتأخر، وأخرت ملفات وقضايا وأعمالًا كان يجب أن تتقدم وتكون في الأولوية الأولى بالنسبة لها.

الإشكال الكبير هو أن الإخلال بالأولويات في فترات الرخاء وقلة التحديات يمكن تجاوزه أو التغاضي عنه لأن الضرر فيه يكون محدودًا.

لكن عندما تكثر التحديات وتقل الفرص أمام الجماعة المسلمة في كندا أو في الغرب، فإن الإخلال بالأولويات يضاعف من التحديات، ويجعل الجماعة المسلمة تتأخر من حيث تريد أن تتقدم، وتتضاعف عليها الإشكالات يومًا بعد يوم.

القول المبين في أخطاء المصلين:

حتى تتضح الصورة، من الأمثلة والنماذج التي لا تفارقني عندما رأيت في معرض القاهرة الدولي للكتاب، منذ فترة بعيدة (كان هذا الكلام من عشر سنوات)، ظهر حوالي كتابين أو ثلاثة في نفس الموضوع الذي سأقوله الآن:

وجدت أن هناك كتابًا لعل بعضكم اطلع عليه وكثيرًا من الدعاة يستحسنون أو يستسهلون أن يجعلوه سلسلة للدروس والمحاضرات في المساجد، وهو موضوع أخطاء المصلين.

وجدت ثلاثة كتب، كل كتاب في مجلد أو مجلدين، عنوانه “أخطاء المصلين من التكبير إلى التسليم” أو “القول المبين في أخطاء المصلين”.

منهم من أحصاها بـ 300 خطأ، ومنهم من رفعها إلى 350 خطأ. وسمعت أكثر من داعية في مساجد كبيرة في مصر وقتها يعمل سلسلة ويقول هكذا مثلًا في الدرس: “الخطأ الحادي بعد المئتين”.

الطريف أني وجدت كتابًا آخر عنوانه “أخطاء أخطاء المصلين”، أي أنه يستدرك على ما سبق.

يعني لم يكفنا ثلاثة أو أربعة كتب، كل كتاب مجلد أو مجلدين في أخطاء المصلين، بل هناك من يقول “أخطاء أخطاء المصلين”.

ما المشكلة في هذا الكلام؟

هدف هذه الكتب هو تصحيح الصلاة عند الناس وتخليصها من الأخطاء حتى تكون صلاةً كما صلاها النبي صلى الله عليه وسلم.

المشكلة في أمرين:

الأول: يخالف المنهج النبوي ويعقد الأمر السهل:

الصلاة ليست بهذا التعقيد؛ ركعتان كم تحتاج من الوقت؟ ثلاث دقائق، أربع دقائق؟ عبادة تتكرر في اليوم خمس مرات، تحتاج إلى خمس دقائق لإتمامها، فيها 300 خطأ! فكم حركة صحيحة فيها حتى تصح هذه العبادة؟

أتخيل لو أن مسلمًا جديدًا يعتنق الإسلام ويريد أن يعرف الصلاة التي ستتكرر عنده في اليوم خمس مرات، وستكون أهم ركن من أركان الإسلام بعد التوحيد، فيها 300 خطأ!

كيف يتخيل هذه المعادلة المعقدة التي يدخل عليها؟

الرسول عليه الصلاة والسلام كان يأتيه الأعرابي، يمكث معه يومًا أو يومين، يتعلم الإسلام كله، ويرجع داعية إلى قومه، لا يتعلم الصلاة فقط، بل الإسلام كله.

والرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الشهير الذي تعرفونه، المشهور بحديث “المسيء صلاته”، علّمه وأراد أن يوجهه إلى استكشاف الخطأ بنفسه. فقال له: “ارجع فصلّ فإنك لم تصلّ”، فلم ينتبه إلى الخطأ. فقال له: “ارجع فصلّ”، فلم ينتبه إلى الخطأ. فقال له: “اركع حتى تطمئن راكعًا…” إلى آخر الحديث.

علّمه النبي صلى الله عليه وسلم بسهولة، والصحابة بعد ذلك لما أرادوا أن يعلموا غيرهم الصلاة علموهم إياها بسهولة جدًا. سيدنا عبد الله بن مسعود، أشهر الأحاديث المفصلة للصلاة، ماذا قال للصحابة؟ قال لهم: “سأصلي لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم”، ثم صلّى.

هذا هو الإشكال الأول.

الإشكال الثاني: أين كتب الخشوع؟ عندنا ست مجلدات في أخطاء المصلين، فكم مجلدًا عندنا في “كيف أخشع في الصلاة”؟ كم مجلدًا في “كيف أجد قلبي في الصلاة”؟ كم مجلدًا في “كيف تكون الصلاة قرة عين لنا كما كانت لنبينا صلى الله عليه وسلم”؟

كم كتابًا وكم محاضرةً تعلمنا وتدربنا كيف نستريح بالصلاة؟

أغلبنا يستريح من الصلاة، لكن أن تكون الصلاة صلةً واتصالًا بالله سبحانه وتعالى، فيها معنى المناجاة لله سبحانه والقرب من الله سبحانه وتعالى… كم كتابًا وكم محاضرةً علّمتنا هذا الأمر؟ كم كتابًا وكم محاضرةً علّمتنا كيف تنهانا الصلاة عن الفحشاء والمنكر؟ كيف ننتقل من الشكل (حركات الصلاة) إلى الجوهر؟

أنا لا أقلل من الشكل ولا أقول أننا نصلي بأي طريقة، كلا، يجب أن نصلي كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم، طبعًا. لكن المسألة ليست بهذا التعقيد، ومساحات المرونة فيها كبيرة.

هذا النموذج الذي ذكرته هو نموذج يعكس إشكالية الأولويات في الأمة، أننا دائمًا نركز على الشكل، متمركزون حول الشكل، وتاركون الجوهر والمضمون والمقصود. هذا من إشكاليات الأولويات.

شكل الصلاة سهل جدًا أن يُحلّ بالطرق التي ذكرناها الآن، لكن القضية الأساسية التي نريد أن نهتم بها وننظر فيها ونتأمل فيها كثيرًا هي قضية جوهر الصلاة، رسالة الصلاة، كيف تنهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر؟

مظاهر الخلل في ترتيب الأولويات لدى المسلمين في الغرب

مظاهر الخلل في ترتيب الأولويات لدى المسلمين في الغرب كثيرة جدًا. سأرصد بعضها، وبِرصد مظاهر الخلل في الأولويات يتضح لنا بجلاء أن عكس الصورة التي قلناها هو ترتيب الأولويات بالنسبة للمسلم الكندي أو بالنسبة للمؤسسات الكندية.

1- خلل الخطاب

أول صورة من صور الخلل هي خلل الخطاب، خطابنا الديني في الغرب بشكل عام هو خطاب فاقد للأولويات، في المساجد، ومع أولادنا في البيوت.

منظومة البيان الدعوي كلها، في تربية الأولاد، في المدارس العربية والقرآنية، كل هذا فيه خلل في الخطاب.

ما هي مظاهر الخلل في هذا الخطاب؟

إنه خطاب عربي في قلب الغرب!! ما معنى خطاب عربي؟

يعني خطاب عربي اللغة مع أن لغة الغرب ليست عربية، والأولاد لغتهم الأم في أغلب الأحيان ليست اللغة العربية.

عربي في الموضوع والمضمون أيضًا، أي موضوع نريد أن نعالجه يجب أن يعالج انطلاقًا من مشكلات وتحديات البيئة التي نعيش فيها.

هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم. لما جاء شاب للنبي صلى الله عليه وسلم وقال له: “ائذن لي بالزنا”، ماذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال له: “أترضاه لأمك؟” قال: “لا، لا أرضاه لأمي”. “أترضاه لأختك؟” قال: “لا أرضاه لأختي”. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “والناس لا يرضونه لأمهاتهم، والناس لا يرضونه لبناتهم.” ثم وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده الشريفة على صدره ودعا له: “اللهم ثبت قلبه وحصن فرجه”. فما عاد يجد من ذلك شيئًا.

أترضاه لأمك؟

حدثني إمام في ألمانيا، ويبدو أن الواقعة متكررة لأن الدكتور صلاح سلطان حكى أنها وقعت له في أمريكا أيضًا. الإمام الذي حكى لي في ألمانيا قال لي إن أبًا جاء له بابنه وقال له: “انظر إلى ابني ولاحظ أمره لأنه اتخذ صديقة ويعيش معها منذ فترة.”

فالإمام يقول لي: “أول ما الشاب جاء لي قلت له: تعال هنا، أترضاه لأمك؟” ماذا قال له الشاب المولود في البلد والمتشبع بثقافتها، الذي صار ألمانيًا بثقافته وإن كان لوالدين عربيين؟

قال له بالإلمانية: “ولم لا؟” قال له: “أنا أقول لك أترضاه لأمك، تقول لي ولما لا؟” قال له: “هذا شأنها، أنا مالي ومال أمي!

حدثني عن نفسي.” هذا الإمام يتمثل ويريد أن يحاكي تقليدًا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع هذا الشاب، وهذا خطأ.

روح الفعل النبوي هو أن تضع نفسك مكان هذا الشاب كما وضع النبي صلى الله عليه وسلم نفسه مكان هذا الشاب.

وبالتالي يجب أن تُدير الحوار على النحو المنطلق من ثقافة ونفسية وطبيعة البيئة التي يعيش فيها هذا الشاب.

وبالتالي، الحوار يجب أن يأخذ منحى آخر حتى تقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في الأسلوب التربوي والمنهجية التربوية.

المنهجية التربوية ليست أن أحاكي الأمر بالضبط وأقول له: “أترضاه لأمك؟ أترضاه لأختك؟” كلا.

بالتالي نحن نحتاج أن نراجع الخطاب الموجود.

 أنا عندما أتحدث مع الشباب عن غض البصر مثلًا في أوروبا، نتحدث ونأتي بقصص السلف وكذا، الشباب يستمعون إلى الكلام ويستشعرون أننا في واد وهم في واد آخر.

كأنك تريد منا أن نمشي عميانًا، وأنت لا ترى ما يحدث معنا في الجامعات، خاصة في فصل الصيف. ماذا نفعل؟

إنه تحدٍّ كبير. وأذكر أني عملت سلسلة محاضرات للشباب حول حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله”.

وكان هدفي من هذه السلسلة ليس أن أرغب الشباب وأن أشرح “ورجلان تحابا في الله” و”ورجل دعته امرأة”، بل كان هدفي الأساسي هو شيئان:

الأول- أن أطّلع على التحديات التي تواجه الشباب، والمعوقات التي تقف أمامهم في أن يكون أحدهم أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله. فاستمع إليهم.

الثاني- كيف نزيل العوائق لنُوجد هذا الشاب الذي إذا دعته امرأة ذات منصب وجمال قال: “إني أخاف الله”؟ فاطلعت والله على أحوالهم، من التحديات والمشقة والصعوبة وما يُفرض عليهم.

أشياء في غاية الفتنة، ما بعدها فتنة، ونحن نكتفي بأن نقول: “كن من السبعة”.

طيب، “دلني على الطريق، كيف أكون؟

دلني على الطريق، كيف أصل إلى أن أكون فعلًا إذا دعتني امرأة ذات منصب أن أقول: إني أخاف الله؟

خذ بيدي، دلني على الخطوات العملية الإجرائية التي أسير عليها.

 أحيانًا يحدث أن أصلي مأمومًا في مسجد من المساجد في أوروبا، لا أشعر أبدًا أن الخطبة أو الحديث الذي أستمع إليه هو خطاب أوروبي لمجتمع أوروبي.

عندما أتحدث إلى إخواني الأئمة في الدورات أقول لهم: “يا جماعة، تخيلوا دائمًا، ليتخيل كل إمام يُعد خطبة أو حديثًا أو محاضرة أن إعلام الدولة الغربية التي هو موجود فيها يصور معه، والمجتمع يستمع.

كيف يستقبل هذا الخطاب وهذا الكلام؟ وكيف يُنظر إليه؟

 لو كان خطابنا خطابًا أوروبيًا بالفعل في مساجدنا وفي مؤسساتنا ومع أولادنا، لن نخاف ولن نقلق ولن تكون عندنا أي مشكلة.

إنما نتيجة أننا نعيش في الغرب بعقلية وثقافة وخطاب وأدبيات ومصطلحات ودعايات الشرق، فدائمًا تحدث عندنا هذه الإشكالات، ليس فقط مع الإعلام أو مع مؤسسات المجتمع الخارجي، وإنما حتى مع أولادنا ومع أقرب الناس إلينا.

2- تقديم الفكر الدفاعي على التأسيسي

من صور الخلل في منظومة العمل الدعوي والمؤسساتي في الغرب هو تقديم الفكر الدفاعي على الفكر التأسيسي، وهذه آفة الأمة بمجموعها.

ما الفرق بين الفكر الدفاعي والفكر التأسيسي؟

الفكر الدفاعي: هو أننا كمؤسسات وأئمة ودعاة ومسلمين نجلس دائمًا في موضع “المفعول به”، نُؤخذ إلى الملف والمشهد والموقف الذي يريده من يُحركنا أن نكون فيه، ويشغلنا عن الملف الذي يريد أن يصرفنا أو يشغلنا عنه.

الفكر التأسيسي: هو أن تكون لدينا رؤية موجودة للمشاكل والتحديات والواقع، ولدينا مسار نمضي فيه، لا تشغلنا عنه مثل هذه الأشياء التي تخرج بين الحين والآخر.

أوضح مثال على هذا هو موضوع الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم. بعد أن وقعت أزمة الرسوم المسيئة التي انطلقت من الدنمارك وانتقلت إلى عواصم أوروبية أخرى، بدأ المسلمون يفكرون أن الأوروبيين لا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم، “فهيا بنا نعرف بالنبي صلى الله عليه وسلم”.

انطلقت مؤسسات وقنوات وهيئات عالمية تعرف بالنبي صلى الله عليه وسلم وتترجم كتبًا ومحاضرات، وهذا هو الفكر الدفاعي، وليس التأسيسي؛ لأننا لم ننتبه إلى أن الأوروبيين لا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم إلا لما وقعت الأزمة.

ما المشكلة في الفكر الدفاعي؟

إنه يستنفذ جهود وطاقات العلماء والمفكرين والأمة، وتنصرف وتبقى في هذه الدائرة لا تخرج منها.

وأن العمل لا يكتمل، يتوقف لأنه “غضبة مؤقتة”، ثم تتوقف بعد ذلك.

3- تقديم المحرمات على المأمورات

 من الخلل الموجود هو تقديم المحرمات أو دائرة المنهيات على المأمورات، وقد تحدثنا في هذا الكلام أول أمس مع الإخوة، ورأينا أن الأولوية بالنظر في القرآن الكريم وفي السنة النبوية يجب أن تكون لدائرة المأمورات وليس لدائرة المنهيات، وللتحلية قبل التخلية، وللاجتلاب قبل الاجتناب، ولجلب المصلحة قبل درء المفسدة، وليس عكس ما هو مستقر عند كثير من الناس.

4- تقديم الشعائر على القيم المشتركة

أعتقد أيضًا أن من صور الإخلال بالأولويات التي وقع فيها المسلمون في أوروبا تقديم الشعائر والتعبديات على القيم المشتركة. نحن قدمنا أنفسنا للمجتمع ولغير المسلمين في الغرب من خلال ملفات لا يستوعبها.

تمركز المسلمون حول الملفات الأساسية التي اشتغلوا عليها:

  • ملف الحجاب مثلًا، ودخلوا فيه في معارك قانونية وسياسية وقضائية وإعلامية إلى آخره.
  • ملف الحلال والذبح الحلال.
  • ملف المآذن والمنابر والمساجد في بعض المؤسسات الأوروبية.
  • ملف الدفن والمدافن والمقابر.
  • كل هذه الملفات أنا لا أقول إنها قليلة الأهمية أو ليست مهمة، هي ملفات مهمة.

ولكن أين موقعها؟

ولماذا نقدم أنفسنا للمجتمع من خلال هذه الملفات دون غيرها؟

كانت هناك ملفات أخرى أكثر أمنًا وأمانًا، والمجتمع فقير إليها، وهي في غاية الدقة والإبداع والتنظيم في الإسلام، مثل:

ملف الأسرة:

أهملنا ملف الأسرة، وهو ملف في غاية الخطورة والأهمية، ومنهج الإسلام فيه في غاية الإتقان والإبداع والإحكام، كغيره من الملفات الأخرى، وشديد الفقر والعوز في المجتمعات التي نعيش فيها، لأن منظومة الأسرة تكاد تكون غائبة وغير موجودة في المجتمع الغربي.

ما الذي حدث؟

الذي حدث أن منظومة الأسرة بالنسبة للمسلمين في الغرب كادت تكون منظومة غربية في قيمها وفي كل توجهاتها.

طبعًا، أنا أتحدث أكثر عن الأجيال الجديدة وليس عن الجيل الأول أو عن المهاجرين الجدد.

وإن كان حتى المهاجرون الجدد تأثروا بسرعة بقيم المجتمع الغربي.

اللاجئون والمهاجرون الجدد في ألمانيا، نسبة الطلاق عندهم، رغم أن عمر وجودهم في ألمانيا ثلاث سنوات مثلًا أو أقل قليلًا، نسبة مخيفة ومرعبة وتحتاج إلى وقفات هائلة.

ملف الدفن، طيب، هو ملف مهم، لم نختلف.

وأنا يمكن أشرت إليه في محاضرة سابقة أن المسلمين في كل دولة يهتمون ويطالبون أن يسمح لهم القانون بالدفن بدون صندوق أو بدون تابوت.

قلت إن الأئمة الأربعة قالوا إن دفن المسلم في الصندوق مكروه وليس محرمًا.

وسبب الكراهة يرجع إلى أمرين:

الأمر الأول أنه ترف لا يناسب الآخرة.

والثاني أنه تشبه بأهل الكتاب.

وقالوا وترتفع الكراهة، أي يكون الدفن في الصندوق مباحًا بدون كراهة إذا كانت التّربة ندية شديدة الرطوبة يسيل منها الماء.

أظن عندكم ما فيش أوضح من كده، سواء في الصيف أو في الشتاء؛ لأن التّربة شديدة البرودة ففيها ماء يسيل منها.

ورأيت الدفن عندنا في ألمانيا يتم في أغلب الأحيان بأن يوضع الجثمان في الحفرة في ماء وطين، وبعدين يضعوا ألواحًا خشبية مائلة حتى لا يسقط التراب بشكل مباشر على الجثة.

يعني هم وضعوا صندوقًا خشبيًا لكن أزالوا ثلاثة جوانب ووضعوا جانبًا واحدًا فقط.

هل هذه قضية تستحق منا أن نجعلها في الأولوية وأن ندفع لها الأموال وأن نجعلها القضية رقم واحد بالنسبة لنا؟

طبعًا لا يخفى عليكم أنه عندما نقول أولويات فليس معناه أن نُهمل الملف الذي قلت إنه يتأخر.

يعني ليس معناه أننا نقول: “والله الحلال والدفن وهذا الكلام نتركه”. كلا، هو موجود لكن يأخذ درجة ثانية أو ثالثة، وغيره يأخذ الدرجة رقم واحد كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم.

5- تقديم دعوة غير المسلمين على المسلمين

من ملفات وإشكاليات الأولويات أو ترتيبها في الواقع الأوروبي أو الغربي تقديم دعوة غير المسلمين على المسلمين.

المسلمون الذين يعيشون في أوروبا يفرحون جدًا عندما يأتي شخص يدخل الإسلام، ويكبرون ويصورون وينشرون. ويُشعرون المراقب لهذه المسألة أن حالات الداخلين في الإسلام بالآلاف وكذا إلى آخره. طيب، نحن لا نلتفت إلى من يخرج من الإسلام من المسلمين الأصليين، ولا نلتفت إلى من دخل وفرحنا وكبرنا وبكينا عندما دخل. لا نلتفت إلى هل بقي؟

هل علمناه الإسلام؟ هل حافظنا عليه؟ هل حللنا مشاكله؟

لا نلتفت إلى هذا الكلام كله، نتركه خلاص وانتهى الموضوع وكبرنا وانتهت القضية.

أنا أقول بوضوح إن أولوية المسلمين الأولى، وهذا الملف وُظّف من اليمين المتطرف بشكل كبير ضد المسلمين في الغرب.

اليمين المتطرف مشكلته مع الوجود الإسلامي في الغرب يقول لك: “هؤلاء يريدون أسلمة أوروبا”.

 نحن نقول فقط نحافظ على أنفسنا ونحافظ على تديُّننا وعلى إسلامنا كوجود إسلامي ضعيف جدًا، فيتم تضخيم الصورة بشكل كبير جدًا ومبالغ فيه، والمسلمون في أوروبا يعرفون ذلك، ومع ذلك يتركون أنفسهم للعواطف.

جاء عندنا داعية مشهور جدًا من السعودية في مسجد من المساجد في ألمانيا وقال في الخطبة على المنبر إن الإسلام قادم في أوروبا وسيفتح أوروبا وكذا، وقال: “في ألمانيا يعتنق الإسلام كل ساعة ستة من الألمان.”

والناس تكبّر في المسجد، وهؤلاء الناس يعرفون المجتمع جيدًا، ويعرفون أن هذا الكلام غير صحيح.

طيب، عندما يعتنق ستة أشخاص الإسلام كل ساعة في ألمانيا، معناها الله أكبر، يعني فاضل لنا كم سنة وكل الألمان يبقوا مسلمين.

والإعلام ينقل هذا الكلام، وفي اليوم التالي اعتداءات عنصرية على المسجد وإشكالات إعلامية، وأدخلنا أنفسنا في دوائر.

ودائمًا أقول: “إذا جرجرنا الإسلام في معارك لا ناقة له فيها ولا جمل…” الأولوية الأولى يجب أن تكون للمسلمين أولًا.

أن نتجه بالدعوة إلى المسلمين أولًا، إلى أولادنا وأسرنا أولًا.

“يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا” (سورة التحريم، الآية 6).

“وأنذر عشيرتك الأقربين” (سورة الشعراء، الآية 214).

“وأمر أهلك بالصلاة” (سورة طه، الآية 132).

“يا فاطمة بنت محمد اعملي…”. هكذا يجب أن نتوجه. 

يعني تريد منا ألا نبلغ رسالة الإسلام؟

كلا، بلِّغ رسالة الإسلام عندما يفهم المسلمون في الغرب الإسلام ويعيشون به.

والله إذا فهمنا الإسلام وعشنا به، اطمئن يا سيدي، سيحصل “البلاغ المبين” للناس.

لكننا ننشغل ونترك بيوتنا الداخلية مهلهلة وعلى هذا الحال التي هي عليه.

وقلت قبل كده يمكن، لا أذكر إن كنت قد تكلمت عن الإحصائية التي تحدثت عن واقع التديُّن في أوساط الأجيال الجديدة في ألمانيا؛ يقولون:

إن نسبة الشباب الذين يأتون إلى المساجد مرة واحدة في الأسبوع من الجيل الثاني وما بعده لا تتعدى 23%. يعني أكثر من 70% من الشباب المسلم الذين ولدوا في ألمانيا ونشأوا فيها لا يأتون إلى المساجد ولا مرة.

وأن ثلث هؤلاء الشباب لا يؤمنون بوجود إله أصلًا.

طيب، أنا عندي هذا الواقع أتركه وأذهب أدعو وأعرّف وأطبع مصاحف.

عندنا مشروع قام عليه الشباب بترجمة المصحف وتوزيعه على الألمان وشعار كل ألماني سنسلمه مصحفًا مترجمًا ليتعلم الإسلام، وأسئلة كثيرة جدًا تُطرح على هذا الأمر.

فضلًا عن أننا كمسلمين وكجماعة مسلمة لا نقبل هذا الأمر في بلادنا.

يعني تخيل أنت أن دولة أغلبيتها مسلمة فيها أقلية غير مسلمة تقوم بالدعوة العلنية وكل يوم ناس يتركوا الإسلام وينتقلوا إلى المسيحية.

 ومساجد يشتريها المسيحيون ويحولوها إلى كنائس.

هل يقبل المسلمون في المجتمعات المسلمة ذات الأغلبية المسلمة هذا التوجه أم يعتبرونه شيئًا استفزازيًا وغير مقبول وكذا وكذا .

كلنا أتينا من بلدان فيها هذا الحال فلا ننتبه إلى توظيف هذه الأمور ضد المسلمين في المستقبل.

فأقول أن الأولوية الأولى حتى الأحاديث التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم: “لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك مما طلعت عليه الشمس خير لك من حمر النعم”.

 هل هذا الحديث يقف فقط ويتنزل فقط على أن تخرج رجلًا من الكفر إلى الإسلام أم على مسلم بعيد عن الهداية والاستقامة تنقله إلى الهداية والاستقامة.

طبعًا ينطبق كذلك على المسلم الضال البعيد كما ينطبق على غير المسلم.

والله نحن مشكلتنا الكبرى أننا دائمًا نخاطب أنفسنا.

نتحدث عن الوسطية والاعتدال، من الذي يستمع إلينا في الوسطية والاعتدال؟

الوسطيون والمعتدلون هم الذين يأتون إلينا في مؤتمراتنا عن الوسطية والاعتدال؛ لا المتشددين موجودين ولا المتسيبين أو المتطرفين تسيبًا موجودين.

عندنا مشكلتنا نحن كمسلمين لا نتوجه بالدعوة ولا بالخطاب الدعوي إلا لمن يأتينا إلى المسجد.

 المسلمون البعيدون عن المساجد وعن الهداية والاستقامة ما أكثرهم في في بلاد الغرب، والله وهم يقفون على كلمة تفتح له بها الباب.

أنا جاءني شاب يرتجف من البكاء والخشية والقشعريرة. قال لي: يا شيخ أنا ما تركت كبيرة إلا اقترفتها. أنا لا أظن أن الله تعالى يغفر لي.

وصارت مشكلتي أن أُقنعه أن الله سبحانه وتعالى واسع المغفرة ويقبل التوبة وكذا.

ويرتجف ويبكي. أنا والله تمنيت أن أبلغ مثل حالته من الرقة والخشية التي بلغها.

قلت له: طيب نعمل برنامج نتخلص من مظالم العباد.

وحقوق الله سبحانه وتعالى تُقضى بالتوبة.

تخرج معنا إلى العمرة وكذا. قال: طيب نرتب حقوق العباد.

معي والله في مبلغ 70 ألف يورو. صاحبهم ما أعرف. ما أستطيع أن أصل إليه الآن.

قلت له: يمكن أن تدفعها للمسجد إذا كنت لا تستطيع.

ممكن تنتظرني هنا سأذهب إلى البيت أحضر المبلغ وآتيك.

الآن ذهب إلى المبلغ وأتاني بـ70 ألفًا .

 فالأولوية الأولى في مجال الدعوة والتعريف بالإسلام خلينا نقول التعريف للمسلمين أولًا.

ونتجنب كل صور هذا الاستفزاز ونؤمِّن الحضور الإسلامي في أوروبا.

ولا نترك ورقات أو إشكالات تُوظَّف ضدنا وضد عموم المسلمين في المستقبل القريب أو البعيد.

 6- تقديم احتياجات الأجيال الجديدة الجيل الأول على الجيل الثاني وما بعدهم

أغلب المؤسسات والمساجد الدعوية في أوروبا تتجه بخطابها لغةً ومضمونًا وإنفاقًا وتمويلًا للجيل الأول.

طيب الجيل الأول عنده رصيد فكري وثقافي وما في خطر على هويته، وعنده معرفة دينية؛ الخطر الحقيقي على الأجيال الجديدة.

ولذلك أنا مهموم وأخاف جدًا عندما أجد مؤسسة نسبة حضور شباب الجيل الثاني وما بعده فيها نسبة ضعيفة جدًا.

المؤسسة التي نسبة حضور الجيل الثاني وما بعده فيها ضعيفة يجب أن تقف.

ويجب أن ترصد وتُحلِّل وتضع التدابير والحلول لحل هذه الإشكالية، لأنها مؤسسة لا مستقبل لها.

لأنها مؤسسة تواجه خطرًا كبيرًا وتحديًا عظيمًا.

ولذلك أولوية الإنفاق والعمل والتفكير والتدبير يجب أن تكون للأجيال الجديدة وما بعدها.

ثم تأتي في المرتبة الثانية أو الثالثة أو الرابعة الجيل الأول وما بعده.

النقطة التي أريد أن أتوقف عندها أو أنهي بها هي الإجابة على هذا السؤال المهم الذي يشكل نقطة مركزية بالنسبة للمسلم الكندي أو الذي يعيش في الغرب بشكل عام:

 ما هي أولوية العمل والإنفاق؟

إنفاق المال والجهد والوقت: أهي للوطن الذي أعيش فيه الآن أم للوطن الأم الذي جئت منه أم لقضية المسلمين العامة الموجودة الدائمة معنا وهي القضايا الفلسطينية مثلًا أم لقضايا المسلمين الطارئة.

مثل محنة المسلمين في الصين.

مثل محنة المسلمين في الصومال.

 الأزمات الطارئة التي تحدث.

 ما هي الأولوية الأولى؟

الذي انتهيت إليه بعد طول نظر وتأمل في النصوص وفي التاريخ ورصد وتقييم لتجربة المسلمين في الغرب هو أن الأولوية الأولى للعمل وإنفاق الوقت والجهد والمال هو للوطن الذي تعيش فيه الآن.

 أتريد أن تعزلنا عن أوطاننا الأصلية؟

يا أخي نحن هُجِّرنا وطُردنا وبعض الناس خرجت من بلدانها من أجل قضية عادلة فيريد أن يتابعها،  ولذلك تجد المسلمين في الغرب مشتتين.

المصريون متمركزون حول قضيتهم والقضية المصرية، والليبيون حول القضية الليبية، والسوريون حول القضية السورية، واليمنيون حول القضية اليمنية.

وصدق فيهم الحديث وإن كان حديثًا ضعيفًا لكن معناه صحيح( إن المنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى) والمعنى أن رجلا معه دابة يحملها فوق طاقتها، حتى ماتت فلا هو حافظ على الدابة ولا هو بلغ   الطريق الذي يريد أن يصل إليه.

فلا خدم بشكل دقيق القضية الفلسطينية، ولا خدم بشكل دقيق قضية بلده، ولا خدم ملفات الوجود الإسلامي في الغرب.

 ملفات أسرته وعائلته وأولاد المسلمين والإسلام في البلد اللي هو موجود فيه.

تشتتنا في كل هذه الملفات ولم نبلغ نتيجة في أي منها.

لماذا نقول هذا الكلام؟

أهم دليل وهذا يفتح علينا بابًا لمشروع آخر أيضًا هو في غاية الأهمية وهو مسألة الزكاة.

 أنا مسلم أعيش في كندا وعندي مال يتعين عليّ أن أدفع الزكاة فيه. ألف يورو مثلًا كل سنة.

أين أنفق أو أدفع هذا المبلغ المالي؟

ماذا يفعل أغلب المسلمين في الغرب؟

يُرسِلون أموال الزكاة خارج البلدان التي يعيشون فيها!!

يقول لك يا أخي أنا أعرف ناس في سوريا ويا أخي مش لاقيين يأكلوا كذا وكذا.

وهذا من الأخطاء الشائعة؛ الأصل في الزكاة أن تُدفع في بلد المزكي، والفقهاء شددوا تشديدًا عجيبًا في هذا الموضوع، مثلًا المعتمد عند الشافعية ورواية عند الحنابلة عدم الإجزاء وسقوط الواجب عمّن نقلها مع وجود مستحقيها.

يعني لو في مصارف هنا في كندا وبعدين أنت دفعت الزكاة خارج كندا مع وجود المصارف هنا عند الشافعية ورواية عند الحنابلة أنك يجب أنك تخرج الزكاة تدفع الزكاة مرة أخرى.

يعني لم يسقط الفرض بهذا.

لكن الفقهاء الآخرين انقسموا إلى قسمين:

منهم من قال يسقط فرض الزكاة مع الإثم.

ومنهم من قال يسقط بدون إثم.

نحن لا نشدد على الناس لكن هذا يعكس أن هناك خطرا في المسألة.

وأدلة جمهور الفقهاء على عدم جواز إخراج الزكاة خارج بلد المزكي واضحة.

حديث معان، لا يجوز للمزكي أن يخرج الزكاة خارج البلد الذي يعيش فيه؛ إلا إذا عُدِمت المصارف في هذا البلد.

أين هي المصارف وأين الفقراء في كندا؟

 هل مصارف الزكاة هل مصارف الزكاة هي الفقراء والمساكين فقط؟

 مصارف الزكاة ثمانية. (إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (سورة التوبة، الآية 60).

 نفترض أن ما في فقراء ولا مساكين في كندا (والعاملين عليها) الجهاز الإداري للزكاة الذي يتولى عملية الرصد.

 ومصرف الغارمين:أغلب المراكز الإسلامية في الغرب غارمة عليها ديون.

 والمؤلفة قلوبهم: هذا مصرف موجود؛ وهم ثلاثة أصناف أعطاهم الرسول عليه الصلاة والسلام، ويعجبني جدًا تفسير الإمام الطبريالذي كان فقيها قبل أن يكون مؤرخًا ومفسرًا.

الإمام الطبري قال إيه في المؤلفة قلوبهم: إنهم ليسوا أشخاصا نعطيهم الزكاة؛ قال: كل ما يقوي شوكة الإسلام. يعني إذا كان تقوية مؤسسة هنا أو إيجاد وقف للمسلمين أو أي مؤسسة إعلامية أو صحيفة أو أو موقع متميز يتحدث عن الإسلام باللغة الإنجليزية يقوي شوكة الإسلام يدخل في المؤلفة قلوبهم.

جمهور الفقهاء قالوا المؤلفة قلوبهم ثلاث أقسام:

صنف يعطون بعد الدخول في الإسلام لتثبيتهم. إذا طرأت عليهم مشاكل مثلًا بسبب دخولهم في الإسلام كأن فُصل من عمله أو كذا نساعده من هذا الباب.

وصنف إن أُعطي دخل الإسلام؛ ليس رشوة ليدخل الإسلام، لكن هو مثلًا عنده قلق أو خوف أنه إذا اعتنق الإسلام سيكون عنده إشكال. فيعرف أن في مؤسسات مثل التأمين .

مصرف في سبيل الله:هذا أوسع مصرف، وسعه الفقهاء المعاصرون للمسلمين الذين يعيشون في أوروبا وقالوا: يجوز الدفع منه للمساجد وللمؤسسات الدعوية.

مصرف ابن السبيل:ابن السبيل الذي انقطع به الطريق؛ واحد انقطع به الطريق أو تعطلت سيارته أو كذا.أين يأتي؟ للمسجد. ساعدوني والله بفندق ولا بتذكرة قطار ولا طائرة ولا كذا. أريد أن أبيت من البرد.  يجب أن يكون عندنا صندوق موجود.

إذًا أنا أقول: إنه أمام المتغيرات السياسية التي حاصرت المسلمين في أوروبا اقتصاديًا.

المؤسسات في أوروبا كانت بعضها يعتمد على أموال تأتيه من الخليج أو تأتيه من الخارج.

الآن توقف هذا الكلام. الدعم الذي يأتي من الخليج الآن أصبح غير موجود.

 فيجب أن تعتمد المؤسسات على تمويل نفسها بنفسها.

كيف السبيل إلى الاعتماد على تمويل أنفسنا بأنفسنا؟

باب الزكاة. باب الزكاة يسد احتياجات المؤسسات.

لأنه أنت عندك مؤسسات قائمة على حفظ الدين بالنسبة للمسلمين.

قائمة على حفظ الهوية بالنسبة للمسلمين في أوروبا.

وما عندها جهة تمولها أو تنفق عليها.

عملت دراسة على زكاة الفطر في ألمانيا:

زكاة الفطر في ألمانيا بحد أدنى سنويًا 35 مليون يورو بحد أدنى سنويًا.

 الـ 35 مليون يورو زكاة الفطر المفروض تدفع لمن؟

على رأي المالكية وأنا مع المالكية في هذا تدفع فقط لإغناء الفقراء والمساكين في يوم العيد.

 أنا سأبحث عن الفقراء والمساكين الموجودين في ألمانيا وأغنيهم في يوم العيد.

كم عددهم. محتاجين كم. يعني مليون اثنين. هطلع لهم 5 مليون.

تبقى معي كام. 30 مليون!!!

طيب ما هو الـ 30 مليون هذه للفقراء والمساكين يجب أنك ترسلهم خارج ألمانيا.

 قلنا أنه لا يجوز إخراج الزكاة خارج بلد المزكي إلا إذا عُدِمت المصارف.

 الجمهور قالوا مصارف زكاة الفطر هي نفس مصارف الزكاة الثمانية بالذات الشافعية.

خلينا مع الجمهور. نوازن بين رأي المالكية ورأي الجمهور: نعطي الفقراء إذا كانوا موجودين نسد احتياجاتهم وما يتبقى نضعه في المصارف الأخرى.

30 مليون سنويًا من أموال الزكاة في أوروبا.

ماذا تفعل؟ تفعل الكثير.

طيب إذا كانت الزكاة وهي ركن من أركان الإسلام وفريضة لا يجوز للمسلم أن يخرجها خارج البلد الذي يعيش فيه.

فمن باب أولى الطاقات والإمكانات والأوقات لا يُبددها أو يُشتتها للقضايا القطرية أو القضايا الطارئة للمسلمين.

يعني أنت عايز تعزلنا بقى عن القضايا الفلسطينية وعايز تعزلنا عن قضايا بلداننا التي هجرنا من أجلها.

كلا ، هذه القضايا يجب أن تتأخر في الأولوية.

الأولوية الأولى تكون للمؤسسات والبلد الذي تعيش فيه .

القضايا الأخرى تتم معالجتها من خلال مؤسسات قانونية أو حقوقية أو إغاثية حسب قوانين البلد وثقافتها.

وكإطار عام لكل القضايا المشابهة.

 حيثما توجهت أنصح الإخوة الذين قابلتهم في ماليزيا في تركيا في كندا هنا.

المهاجرين الجدد الذين قدموا حديثًا. جُدد يعني من ثلاث سنوات أو خمس سنوات.

يقول لي: انصحنا. أقول نصيحتي لك أن تعمل للبلد الذي تعيش فيه الآن كأنك تعيش فيه أبدًا.

انسَ مسألة أنك ستعود إلى بلدك الذي جئت منه.

لماذا أقول هذا الكلام؟

 أنا عندي ناس في ألمانيا من 30 سنة و40 سنة يصلون استخارة. أبقى ولا أرجع.

والله 40 سنة يصلي استخارة!!!

واحد في هولندا من فترة قريبة كنت في محاضرة هناك في إسبانيا يقول لي يا شيخ ما حكم الإقامة في الغرب؟ هل يجوز الإقامة في الغرب؟ قبل أن أجيب قلت له: كم سنة لك هنا؟

قال لي: بقى لي 40 سنة.

قلت: طيب بقى لك 40 سنة وتسأل الآن؟

 استمرار طرح هذا السؤال معناها أنه ما زال مترددًا. ما زال عنده شك. ما زال غير مطمئن.

فاحسم هذه المسألة. وطن نفسك في المكان الذي أنت موجود فيه.

وبالتالي معناه أنك تُتقن لغة البلد.

معناها أنك تفهم ثقافة البلد.

معناها أنك تمتلك بيتًا في البلد.

لا يلزم بالضرورة أن يكون بالربا. بأي طريقة. المهم أنا بقيت موجود هنا خلاص.

هذا لن يقطعك عن وطنك الأصلي أبدًا.

 ويا سيدي إذا تغيرت الأمور بعد 10 سنوات أو بعد 20 سنة ما في مانع أنك تترك هنا تمامًا وترجع.

 أنا أتكلم في الوضع الحالي الآن لأنه يَنبني على هذا الكلام الكثير من النتائج والآثار.

أكثر شيء رأيته عندنا في ألمانيا:

الإخوة المهاجرين الأول الذين قدموا قبل 40 و50 سنة عايش مع أسرته وعائلته في بيت شديد الضيق مستأجر في حي أغلبه تجار مخدرات وغير مناسب للإقامة والعيش.

أقول له: يا أخي أنت شغال في مكان كويس وعندك راتب.  يقول: لا. أنا عندي قصر في بلدي.

عندك قصر في بلدك الأصلي؟ ماذا عن هنا؟ كم تعيش في هذا القصر؟

يقول لك: والله الحقيقة شهر في السنة.

نقضيه في تنظيفه من الأتربة.

الأولوية الأولى يجب أن تكون للبيت الذي أسكنه أولًا.

 أين الاستثمار الاقتصادي والمالي؟ كل ما يتكون عنده مبلغ مالي يُرسِله إلى أحد أقربائه وهو لا يتابع هذا الاستثمار ولا يعرف ماذا يجري فيه؟

وإشكالات تَنبني بعد ذلك إذا حصلت وفاة له هنا أولًا أو لمن وكله بالاستثمار في بلده ثانيًا. 

ولذلك الإخوة الذين قابلتهم من المهاجرين الجدد في أغلب البلدان عارفين. هو بقى له ست سنين في البلد. ست سنين مش مدة مش كبيرة وإن كانت كبيرة. كأنه وصل بالأمس وسيعود غدًا.

قاعد يُمني نفسه على كده. وصل أمس وسيمشي غدا!!!

ست سنين ضاعوا في لا شيء.

بينما الذي رتب نفسه من أول يوم دخل فيه أتقن لغة البلد ووجد وظيفة ومكن له ورتب أموره. استقرت أوضاعه. استوطن في المكان الذي هو فيه.

 أغلب الصحابة اللي جاءهم الرسول عليه الصلاة والسلام كان يأمرهم بالاستيطان في المكان اللي هم فيه.

حديث الرجل المتردد. يقول له: يا رسول الله إنهم يزعمون أن من لم يهاجر هلك. يعني هل يتعين علينا أن نترك بلداننا ونقعد معك ؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: “يا فُديك أقم الصلاة وآتِ الزكاة واهجر السوء واسكن من أرض قومك حيث شئت”.

وفي رواية قال: “وأظن أنه قال: تكن مهاجرًا”.

يعني يتحقق لك معنى الهجرة وأنت مادام أنت قاعد في المكان اللي أنت فيه تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة.

وبعدين يا أخي الله أعلم حيث يجعل رسالته. الله سبحانه وتعالى ما أخرجك من بلدك إلى هذا المكان إلا لحكمة يعلمها.

ممكن يكون أنت كنت تقصد شيئًا آخر وتقصد أن تذهب إلى دولة أخرى ويُسَر الله سبحانه وتعالى لك أن تكون هنا ولا تكون هنا.

 هذا ما حصل بالضبط مع الصحابة الذين هاجروا إلى الحبشة:

المجموعة الـ 50 الـ 52 اللي كان فيهم أبو موسى الأشعري. أبو موسى الأشعري ركب السفينة مع الصحابة إلى المدينة… قامت ريح أخذت السفينة. قال: “فألقتنا سفينتنا عند النجاشي”.

وجدوا أنفسهم في الحبشة. نزلوا. قال: “فوجدنا جعفر ومجموعة من الصحابة”.

لماذا أنتم هنا؟

قالوا له: “أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقيم هنا فأقمنا”. “اذهبوا إلى الحبشة فإن بها ملكًا لا يُظلم عنده أحد”.

أقدار. فأقم معنا.  فأقاموا معهم في الحبشة.

فربنا سبحانه وتعالى ما أقامكم في هذه البلاد إلا لحكمة يعلمها.

ولكل حادثة حديث يا سيدي بعد سنة بعد خمسة بعد 10. إنما أكثر ما يضر المسلم الكندي هو أن يتأرجح أو يعيش بفكرة التأقيت.

وإن طال به الزمن. هو يقول لك: أنا سأبقى سنة فقط أو سنتين. والسنتين يقلبوا 20 30 40 50. 

ويموت هنا وهو في السنة الـ 50 اللي مات فيها كان ينوي أن يعود وينهي الأمر.

أقول دائمًا أنه يَنبني على هذا الكلام شيء من العزلة.

لأنك عايش بهذه الثقافة لكن أولادك ليسوا مثلك.

أولادك إذا ذهبوا للوطن الأصلي يذهبون للنزهة وإذا طال بهم الوقت يملوا.

 نقطة الانطلاق الأساسية في تربية الأولاد في الحفاظ عليهم هو التوطين.

لما أعرف أن أنا موجود هنا سأعرف التحديات وأستعد لها وأُرتب أموري مع الأولاد.

أنا نفسي سأتجه إلى إما أن أُتقن أنا اللغة أو أخلي أولادي يتقنوا اللغة العربية بحيث حلقة الوصل تكون قائمة.

الحوار يكون موجود مع الأولاد.

كثير من الأولاد في البيوت الآن الحوار بينهم وبين الآباء حوار ممل.

لا يحبون الحديث مع آبائهم وأمهاتهم لأنهم لا يفهمونهم، لا الآباء أتقنوا لغة البلد ولا الأولاد أتقنوا اللغة الأم لغة الآباء والأمهات.

 ففي حالة من الانفصال هذاعايش في عالم والآخر عايش في عالم.

ومواقع التواصل الاجتماعي ضاعفت من هذه الأزمة. المشكلة بالنسبة للعائلات وداخل البيوت.

7- نحتاج أن ننتقل من الترخيص إلى التأسيس، ومن الاستثناء إلى الأصل

فقه الوجود الإسلامي في الغرب تشعر أنه قائم على الضرورات والاستثناءات ، طيب الضرورة والاستثناء تتضاد وتتعارض مع التوطين الذي نتكلم عليه الآن.

لأن الاستثناء معناه أنه يتعين عليك أن تبذل الجهد لتعود إلى الحالة الأصلية والالتزام بالحكم الأصلي.

لأنها في الأخير رخصة وليست مسألة أصيلة.

مثل موضوع البيوت؛ شراء البيوت بالربا هو في الأصل محرم. لكن جوزه المجلس الأوروبي للإفتاء استثناء من الأصل بسبب حاجات المسلمين إلى البيوت التي تنزل منزلة الضرورة في إباحة المحرم.

 المفروض أن الاستثناء لا يدوم. فترة مؤقتة.

لكنه أصبح دائمًا بالنسبة للمسلمين ومستمرًا وبقى له 21 سنة والمسلمون مستمرون عليه.

بل صار الاستثناء هو الأصل.

وهذه إشكالية في الأولويات يجب أن تنعكس ويجب أن تنقلب.

د. خالد حنفي
د. خالد حنفي

الدكتور خالد حنفي هو أحد العلماء البارزين المتخصصين في أصول الفقه، وقد حصل على درجة الدكتوراه في أصول الفقه عام 2005. شغل العديد من المناصب العلمية والدعوية والأكاديمية المرموقة في العالمين العربي والإسلامي، خاصة داخل القارة الأوروبية.

المقالات: 80