إرسل فتوى

أخوة محمد وعيسى عليهما السلام

أخوة محمد وعيسى عليهما السلام

خطبة جمعة . 27 ديسمبر 2022م

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وبعد

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ» أخرجه البخاري.

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم:” أنا أولى الناس بعيسى”: يعني أخص الناس به وأقربهم إليه؛ إذ لم يكن بين عيسى عليه السلام وبين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبى ولم يبعث بعد عيسى أحد سوى محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، كما بشر عيسى عليه السلام بنبينا صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6].

وقوله صلى الله عليه وسلم:”الأنبياء إخوة لعلات”: يعني أن الأنبياء إخوة لأب واحد وإن تعددت أمهاتهم فالأنبياء أصل دينهم واحد وهم جميعا دعوا إلى توحيد الله تعالى وإلى مكارم الأخلاق وفضائلها، فهم متفقون في أصول الدين وإن اختلفوا في فروعه وتفاصيله.

وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على تلك الصلة بينه وبين إخوانه من الأنبياء السابقين وأن شريعته متممة ومكملة ومصححة لشرائعهم في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ ” مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ، وَيَعْجَبُونَ لَهُ، وَيَقُولُونَ هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ؟ قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ ” أخرجه البخاري ومسلم.

فالبيت الجميل بناه من سبقه من الأنبياء والمرسلين ولبناته هي الأحكام والشرائع التي جاؤوا بها، لكن تمام البنيان لم يكتمل إلا بنبوة وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم وبنبوته اكتمل بنيان الدين أصولا وفروعا فلا نبي بعده ولا إضافة للبنيان من بعده إلى قيام الساعة.

وقد كان القرآن الكريم أكثر تفصيلاً من السنة في تناول قصة المسيح عيسى بن مريم وأمه عليهما السلام، بل إن هذا التفصيل غير موجود حتى في كتب النصارى أنفسهم، بل لا يوجد كتاب على وجه الأرض منح السيد المسيح  عليه السلام وأمه البتول وعائلته الكريمة تكريماً وتبجيلاً أعظم من القرآن الكريم،  فقد أولى عناية منقطعة النظير لكل ما يتعلق بسيدنا عيسى عليه السلام، حتى سميت ثالثة سوره باسم آل عمران، وسورة أخرى من أعظم السور باسم والدته مريم عليها السلام، وسورة ثالثة عظيمة باسم ” المائدة”، وهي التي طلبها حواريو عيسى عليه السلام، على حين أنه لا توجد سورة تحمل اسم عائلة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بني هاشم أو بني عبدالمطلب، أو سورة تحمل اسم أمه آمنة بنت وهب، وقد ورد اسم عيسى عليه السلام في القرآن خمساً وعشرين مرة، واسم أمه في القرآن أربعاً وثلاثين مرة.

وعندما يقرأ المسلم القرآن الكريم والسنة المطهرة يشعر بالسلام والتعاون مع أصحاب الأديان الأخرى، كما يشعر بالقرب والمحبة مع أتباع نبي الله عيسى بن مريم عليه السلام.

خلاصات ورسائل تفاعلاً مع نهاية العام الميلادي:

  1. أخوة الأنبياء تقتضي أخوة الناس جميعا وتحابهم وتعاونهم وإن اختلفت أديانهم وألوانهم وأعراقهم.
  2. ختم الله الشرائع بشريعة الإسلام، والأنبياء بمحمد صلى الله عليه وسلم فهي الرسالة الكاملة التامة المكملة والمصححة لرسائل السابقين من الأنبياء، ولا يصح إيمان المؤمن إلا بإيمانه بالأنبياء السابقين دون تفريق بين أحد منهم.
  3. شرائع الأنبياء أصلها واحد وقد دعوا جميعا إلى التوحيد ومكارم الأخلاق وإن اختلفت في الفروع والتفاصيل، والاختلاف بين أتباع الأديان يجب أن يؤدي إلى التسامح والتعاون والتشارك لا التباغض والتدابر والتشاحن فضلا عن التحارب والتقاتل.
  4. إذا كان دين الأنبياء واحد رغم الاختلاف والنسخ الواقع في شرائعهم فإن دين الإسلام واحد ومصدره واحد والاختلافات الفقهية في الفروع التراثية والمعاصرة لا يصح أبدا أن تتخذ ذريعة للعصبية أو الخلاف بين المسلمين.
  5. مساحة المشتركات بين المسلمين وغيرهم كثيرة جدا وواسعة جدا وهى الداخلة في قوله صلى الله عليه وسلم: دينهم واحد. وعلينا الالتقاء والعمل في هذه المساحات وعدم تركها للاختلافات الجوهرية الأخرى التي لن يُسلَّم كل فريق للآخر برأيه فيها.
  6. ما يجري لأهلنا وإخواننا في غزة من تقتيل وتشريد وحرب إبادة ممنهجة لا يتناسب معه المشاركة في احتفالات وأعياد لنا فضلا عن أعياد غيرنا، فلنكن على مستوى الحدث ولنظهر أخلاق الإسلام في صلتنا بجيراننا وزملائنا من غير المسلمين بما لا يتعارض مع الثوابت والقطعيات الشرعية.

اللهم فرج الكرب وأوقف الحرب عن أهلنا وإخواننا في غزة، وتمم الفتح والنصر لأهلنا وإخواننا في سوريا، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب والحمد لله رب العالمين.

 

 

د. خالد حنفي
د. خالد حنفي

الدكتور خالد حنفي هو أحد العلماء البارزين المتخصصين في أصول الفقه، وقد حصل على درجة الدكتوراه في أصول الفقه عام 2005. شغل العديد من المناصب العلمية والدعوية والأكاديمية المرموقة في العالمين العربي والإسلامي، خاصة داخل القارة الأوروبية.

المقالات: 80